الروائي نزار عبد الستار: الصحافة كونت لدى ثروة لغوية وسهلت مهمتى في الكتابة
قال الروائي العراقي نزار عبد الستار، إن هناك نسبة كبيرة من الأدباء عملوا في مجال الصحافة أو لعبت الصحافة دورًا مهمًا في حياتهم الأدبية وانا منهم، فقد الحتقت بعالم الصحافة عام 2004، وفي هذا التوقيت أصدرت مجموعتين قصصيتين ورواية.
وأضاف في تصريحات لـ”مباشر 24″ وأحاول بقدر الإمكان ضرورة ألا تأخذني الصحافة من الأدب حيث عملت في بداية الأمر مراسلًا لجريدة المدى، في مدينة الموصل التي كانت تحت سلطة الاحتلال الأميريكي، وهي مرحلة غنية بأحداثها استمديت منها بعد ذلك فكرة رواية “الأمريكان في بيتي” وهذه الرواية كانت في الأصل ريبورتاجا نشرته في جريدة المدى وقد نبهني مدير التحرير إلى أن الفكرة تستحق أن تكتب رواية.
وتابع:”كانت رواية “الأمريكان في بيتي” هي بداية التوازن بالنسبة لي فقد أصدرت بعدها مجموعة قصصية وثلاث روايات، والشيء الذي حفزني وجعلني أعشق الصحافة هو القدرة على التأثير بشكل يومي والتعايش مع هموم الناس والتعرف عن قرب إلى عقلية الدولة.
وأكمل:”لقد ساهمت الصحافة بشكل واسع في إثراء وتشكيل وعيي وتعميق صلتي بالقضايا التي تشغل الرأي العام، وأيضا علمتني فن الايجاز والسرعة ومرنت قدراتي والأهم من كل هذا أنها كانت تنشطني وتدمر خلايا الكسل في دمي.
وقال عبد الستار: إن الجوائز العربية لها ذائقة تصيبنا أحيانًا بالدهشة ولكنها في العموم حالة صحية كونها تحفز الكاتب وتنمي سوق الكتاب وترشد إلى القراءة، وهناك العديد من الجوائز العربية باتت تسعى إلى تجديد مقاييسها وتنفتح على فضاءات أكثر سعة والبعض منها يساهم بشكل جدي في التعريف بالأدب العربي عالميًا وهذا مهم جدًا لنا في الوقت الحاضر والكل يعرف كيف أن الحال اختلف بعد نيل نجيب محفوظ جائزة نوبل.
وأشار عبد الستار إلى الرواية مرتبطة كليًا بالحياة وهي تستمد حيويتها من مقاربتها مع المعاش سواء كان حاضرًا أو ماضيا وجمالية هذا الفن الأدبي تكمن في التعمق بالإنسان والمجتمع وبرأيي الشخصي لابد للرواية أن تكون مجمعًا معرفيًا لكل مايتصل بالإنسان والمجتمع، كما أن كل الفعاليات الإنسانية بدءًا من الخيال وانتهاءًا بالقانون الاجتماعي الجمعي هي مواد أولية للفن.
وأكمل:” مها اختلفت المدارس وتعددت الاشتغالات السردية يبقى هدف الرواية أن تكون خلية حية. الرواية شكل من اشكال الضمير وهي تتعرض لمناطق الخلل في المجتمع وترصد التحولات وتؤرشف للحياة بكل أبعادها. في رواية “الأمريكان في بيتي” تكلمت عن الحرب باعتبارها صراعًا حضاريا.
وتابع:”هذا ما لمسته عندما كنت اعمل مراسلا صحفيا في الموصل ووثقته في هذه الرواية وفي يوليانا تكلمت عن علاقة الانسان بالله وكيف يمكن إعادة تفسير المقدس وفي آخر رواية لي وهي “ترتر” تكلمت عن مشروع خط سكة حديد برلين بغداد الذي كانت الدولة العثمانية في اواخر ايامها تسعى إلى تنفيذه مع حليفتها المانيا وهنا تطرقت إلى بدايات”.
ونوه بأن رواية “يوليانا” سلطت الضوء على فترة الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت الحرب العراقية الإيرانية في ذروتها وهي فترة شكلت ضغطًا انسانيًا في أبعاد مختلفة، لم اتطرق لمجريات الحرب على الحدود ولكنني رصدت الانكسارات التي تصيب الإنسان وهو يرى الحرب تأكل من حياته وتصبغه باللون الأسود، أنها الحزن والخيبة والموت السريع والامآل المحطمة وهذا إسقاط متعمد، بإمكان قاريء يوليانا ان يتلمس ذلك التوق الجارف إلى الحقيقة وايضا ذلك الشعور العميق بالضياع.
وقال: أؤمن بوجود قدرية في الكتابة وأعتقد أن حواسي مسخرة تماما لكتابة القصص والروايات لذلك كل ما يقع عليه بصري أو يترسب في أعماقي هو مصدر الهام، والفكرة قد تتوارى في ذاكرتي لزمن طويل لكنها تظهر حين ياتي أوانها، هي عملية معقدة لكنها تبدو لي مسيرة وأن التعاقب في تأليف الكتب يخضع إلى إيعازات غامضة، الشيء المهم هو أنني بعد سنوات من الكتابة تطورت لدي ملكات المعالجة وزادت عندي قدرات التحكم واستطعت أن انتبه سريعًا إلى ما يمكنني توظيفه في الرواية أو القصة.
وقال عبد الستار نجيب محفوظ له المكانة الأرفع والأسمى في مسيرتي، كانت كتبه ممنوعة في العراق بسبب موقفه من التطبيع ولكنني استطعت جمعها كلها، كنت وقتها قد نشرت نصي القصصي الاول في جريدة محلية وانا دون سن البلوغ. بقيت مدة ثلاث سنوات لا أقرأ سوى نجيب محفوظ.
واكمل قراءة سلسلة أعماله لاعيد قراءتها من جديد ثلاث سنوات وأنا أفعل هذا بمعدل قراءة يومية مكثفة ومنتظمة وكنت أسجل ملاحظاتي وأدرس كل تفاصيل أعماله بعدها قرأت كل ما كتب عنه وكل حواراته، كنت مهتما بقدرته على تطويع بيئة الطبقة الوسطى وتنقلاته الفنية من التاريخية إلى الواقعية إلى الرمزية وايضا أسلوبه الفذ الجامع لكل التيارات الأدبية.
وكنت في وقت مبكر كثير الانشغال بمسألة تطويع البيئة العراقية وقضية اللغة الثالثة. بعدها قرأت كل ما كتبه الجيل الستيني المصري وتوقفت طويلا عند تجارب الجيل الذهبي في القصة أمثال يوسف إدريس ويحيى الطاهر عبدالله وعبد الحكيم قاسم وإبراهيم اصلان ومجيد طوبيا ومحمد البساطي. هؤلاء هم رواد التكنيك الفذ وكنت اتابع مشاغلهم بشغف لأنهم تمكنوا من سبر أغوار الشخصية المصرية في مساحاتها الريفية والمدنية وكانوا رواد النص القصصي الفني الجديد. المدرسة المصرية كان لها الدور الاساس في تنشئتي الادبية.
ويوم أكملت دراستي الابتدائية نشبت الحرب العراقية الإيرانية واستمرت بعدها سلسلة الحروب بلا انقطاع وجاء الحصار في اعقاب حرب الكويت وبعدها جاءوا الاميركان واحتلوا العراق. هو سوء حظ بالتأكيد وكل ما استطعت فعله أن انشر قصصا متفرقة في جريدة الأهرام وأخبار الأدب وفي أدب ونقد وسطور.