«بعضهم رشح 12 مرة».. تفاصيل عن جائزة نوبل والأدب الروسي

إذا قمنا باستثناء الكاتبة البيلوروسية سفيتلانا الكسيفيتش من القائمة فإن آخر الأدباء الروس الحاصلين على جائزة نوبل للآداب قد فاز بها قبل 29 عامًا كاملة. وتثير جائزة نوبل للآداب كثيرًا من الجدل سنويًّا حول الفائز بها، وتكاد مساحة الجدل تساوي ما يثار حول الفائز بجائزة أخرى كبيرة وهي جائزة نوبل للسلام، هكذا بدأ محمد نصر الدين الجبالي في إحدى فصور كتابه “الأدَبُ الرُّوسي.. شخصيات وتاريخ وظواهر” والصادر عن دار دوٍّن للنشر والتوزيع.

ويكمل الجبالي:” ومن بين أسماء الأدباء الكبار ذوي السمعة العالمية لا تكاد الذاكرة التاريخية تحتفظ سوى بعدة عشرات منهم فقط. ونورد فيما يلي الظروف التي صاحبت فوز الأدباء الروس بالجائزة.

تأثير الأدباء الروس

لا شك أن تأثير الأدباء الروس على الأدب العالمي كان عظيمًا؛ ولذا كانت أسماؤهم ترد دومًا بين المرشحين لنيل الجائزة سنويًّا. وبعد مرور نصف قرن يحق للجنة الجائزة الكشف عن أسماء هؤلاء؛ ولذا لم يعد سرًّا اليوم أن نعرف ليس فقط الحائزين على الجائزة بل وكل من لم يحصل عليها وبقى في صفوف المرشحين في قوائمها.

وكان أول من رشح للجائزة بين الأدباء الروس ليف تولستوي وذلك في عام 1902م وكانت المفاجأة أن يتم ترشيح اسم روسي آخر غير شائع في عالم الأدب حينها وهو اسم المحامي الروسي أناتولي كوني. ولم يحصل أيهما على الجائزة في عامها. وقد بقي اسم ليف تولستوي على قائمة المرشحين حتى عام 1906م.

وفي عام 1916م تم ترشيح الأديب الأوكراني إيفان فرانكو وفي عام 1918م تم ترشيح مكسيم جوركي للجائزة. وشهد عام 1923م ترشيح ثلاثة كتاب روس دفعة واحدة لنيل الجائزة وهم مكسيم جوركي وإيفان بونين وقنسطنطين بالمونت. ومثل ترشيح الكاتب غير المعروف حينها بيتر كراسنوف للجائزة عام 1926م مفاجأة غير متوقعة. وقد تعرض الكاتب للشنق لاحقًا نظير تعاونه مع الألمان. وشهدت قائمة المرشحين للجائزة في عام 1928م ترشيح مكسيم جوركي للمرة الثالثة في تاريخه وفي عام 1930م تم ترشيح اسم كل من ايفان بونين ودميتري ميرجكوفسكي.

وشهدت الثلاثينيات ترشيح الثلاثي بونين وشميليف وميرجكوفسكي وكان عام 1933 تاريخيًا حيث نال إيفان بونين الجائزة وأصبح بذلك أول أديب روسي يحصل عليها وبعد ترشحه لها لخمس مرات. ويعتقد كثير من الأدباء بما فيهم بونين نفسه أنه حصل على الجائزة بفضل روايته «حياة أرسينيف» والتي كتبها أثناء إقامته في فرنسا. وقال بونين معقبًا على فوزه بالجائزة «لن أكون صادقًا إذا قلت، كما يقول الكثيرون في مثل هذه المواقف، أنها أكثر لحظة مؤثرة في حياتي. لقد كان الفيلسوف العظيم محقًّا عندما قال إن مشاعر الفرح حتى النادرة منها لا تقارن بمشاعر الحزن الشديد. لا أريد أن أزعجكم أو أؤلمكم في هذا اليوم الاحتفالي والذي سأظل أتذكره طويلًا إلا أننى رغم ذلك أسمح لنفسي بالقول أن مشاعر الحزن التي مرت بي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة تتجاوز بأضعاف لحظات السعادة. وهذه المآسي لم تكن شخصية… على الإطلاق».

وقد استقبل هذا الحدث بفتور شديد داخل روسيا رغم أنها كانت المرة الأولى التي يفوز بها أديب روسي بالجائزة. وكان بونين أحد أشهر الأدباء الروس في المهجر حيث غادر روسيا في عام 1920م

وقد تسلم بونين الجائزة في عام 1933م وقام بتوزيع جزء كبير منها على المهاجرين الروس وفي دعم مختلف الجمعيات الأهلية حتى إنه لم يتبق له شيء منها.

الأربعينيات وجائزة نوبل

وشهدت الأربعينيات ترشيح العديد من الأسماء الروسية أهمها نيقولاي بيردياييف (7 مرات) وبوريس باسترناك (4 مرات) وألدانوف (3 مرات) وشولوخوف (3 مرات). وفي الخمسينيات ترشح الدانوف للجائزة حتى وصلت مرات ترشيحه إلى 12 بالإضافة إلى شولوخوف وباسترناك.

وفي عام 1958م منحت الجائزة للمرة الثانية للأدب الروسي في شخص بوريس باسترناك ولم تجلب الجائزة للكاتب سوى المشكلات. وهناك قول شائع أن باسترناك قد نال الجائزة على روايته التي لم تكتمل «دكتور جيفاجو» والتي صدرت في إيطاليا عام 1957. غير أن الكاتب قد رشح لنيل الجائزة قبل انتهائه من تأليف هذه الرواية كما أن لجنة الجائزة أشارت إلى إسهاماته في مجال الشعر في مسببات فوزه بالجائزة. وتعرض باسترناك لهجوم لاذع واتهامات بالتعاون مع الدعاية الغربية. وقام البعض بمقارنته بالكاتب النرويجي كنوط هامسون الذي تنازل عن الجائزة لوزير الدعاية في الرايخ الثالث يوسف جيبيليس وذهب البعض إلى المطالبة بسحب الجنسية من باسترناك ونفيه خارج البلاد. ونشطت حملة ضده بعنوان «لم أقرأ ولكنى أدين بشدة» كل هذا أرغم الكاتب أن يرفض الجائزة.

وفي عام 1989م تسلم ابن الكاتب بوريس باسترناك الميدالية والشهادة. حيث توصلت الأكاديمية السويدية إلى نتيجة مفادها أن رفض الكاتب للجائزة كان رغمًا عنه وقررت إعادة الأمور إلى نصابها.

ولم يتم ترشيح أحد في العالم التالي لفوز باسترناك. وترشح شولوخوف للجائزة في الأعوام التالية جميعًا حتى نالها في عام 1965م وربما هو الوحيد بين الكتَّاب الروس الحاصلين على الجائزة الذي جرى تكريمه رسميًّا.

وقد ترشح شولوخوف عدة مرات قبل نيل الجائزة حتى إنه كان على وشك الحصول عليها مناصفة مع باسترناك في عام 1958م، وظهرت دعاوى داخل الحزب برفض شولوخوف للجائزة في حالة الفوز بها مع باسترناك. غير أنه وبعض مرور سبعة أعوام يحصل شولوخوف على الجائزة ويحظى فوزه بترحيب رسمي كبير من السلطات السوفيتية. وقال شولوخوف مازحًا إن الأكاديمية السويدية تأخرت 30 عامًا قبل منحه الجائزة نظرًا لأن الأجزاء الأولى من رواية «الدون الهادي» قد صدرت في عام 1932م. وتجدر الإشارة إلى أن شولوخوف يعد أحد تسعة فائزين بالجائزة نالوها نظير إسهاماتهم في إثراء الأدب العالمي بشكل عام وليس على عمل أدبي بعينه.

وهناك اعتقاد أن من بين العوامل التي ساعدت على اختيار شولوخوف كانت كلمة جان بول سارتر عندما اعتذر عن استلام الجائزة وقال «يؤسفني أن تمنح الجائزة لباسترناك وليس شولوخوف وأن يكون الكتاب الوحيد الروسي الذي فاز بجائزة نوبل قد نشر في المهجر وممنوع في داخل الوطن الأم».

وقد تبرع شولوخوف بجزء من الجائزة لبناء مدرسة في إحدى قرى نهر الدون.

الكسندر سولجستين

في عام 1970 م نال الجائزة الكاتب الروسي ألكسندر سولجنستين وكان على لجنة نوبل أن تثبت بالدلائل أن هذا الاختيار لم يكن سياسيًّا في المقام الأول، كما اتهمتها السلطات السوفيتية حينها وحتى الكاتب نفسه. والغريب أن أهم روايتين للكاتب وهما «أرخبيل الجولاج» و«الدائرة الحمراء» لم تكن قد نشرت بعد وقت حصوله على الجائزة. وقبل حصوله على الجائزة كان قد نشر له بضعة قصص قصيرة وترشحت قصته الشهيرة «يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفيتش» لجائزة لينين الأدبية كما نشرت روايتاه «عنبر السرطان» و«الدائرة الأولى» في داخل الاتحاد السوفيتي إلا أنهما انتشرتا عن طريق ما يعرف بالساميزدات أو النشر بالنسخ يدويًّا وبشكل سري. كما تم نشر أعماله في الغرب بدون تصريح منه. وعندما علم الكاتب بفوزه بالجائزة اشتد الخلاف بينه وبين السلطات السوفيتية، واضطر إلى الاعتذار عن السفر إلى ستوكهولم لاستلامها رغم رغبته في ذلك خوفًا من عدم السماح له بالعودة إلى الوطن. إلا أنه لم ينجح رغم ذلك في تجنب الحملات الدعائية ضده، حيث تم اتهامه بخيانة الوطن وتم نزع الجنسية السوفيتية عنه ونفيه خارج الاتحاد السوفيتي. وقد تمكن الكاتب من استلام الجائزة شخصيًّا بعد نفيه إلى خارج الاتحاد السوفيتي عام 1974م، وقد أنفق سولجنيتسين الجائزة على شراء ضيعة في ولاية فيرمونت.

آخر الفائزين

وكان آخر الكتَّاب الروس الحاصلين على الجائزة هو الشاعر يوسف برودسكي والمقيم في المهجر وذلك في عام 1987م. وفي العام الذي حصل فيه الشاعر على الجائزة بلغ عدد دواوينه الشعرية ستة بالإضافة إلى مسرحية «المرمر» والعديد من المقالات باللغة الانجليزية. وكان برودسكي قد نفي من الاتحاد السوفيتي عام 1972م وحصل لاحقًا على الجنسية الأمريكية.

ونال الشاعر الجائزة والاتحاد السوفيتي يعيش مرحلة البيروسترويكا؛ ولذا لم يتعرض للهجوم الذي تعرض له سابقوه بونين وباسترناك وسولجنستين. إلا أن الإعلام السوفيتي لم يعلن خبر الفوز إلا بعد مرور أسبوعين. ولم يحضر المسئولون السوفييت حفل توزيع الجوائز فيما كان تعليق الخارجية السوفيتية على الفوز «بأن القرار غريب» و«أن الفوز بنكهة سياسية». وكان برودسكي أكثر الفائزين سعيًا للاستفادة القصوى من قيمة الجائزة حيث قام بشراء مطعم في نيويورك.

وهكذا يمكن القول إن بونين وشولوخوف وباسترناك وسولجنستين وبرودسكي يمثلون القائمة الكاملة لممثلي الأدب الروسي الحاصلين على جائزة نوبل ولم تشهد السنوات التسعة والعشرين الأخيرة حصول أي أديب روسي على هذه الجائزة العالمية إذا ما استثنينا بالطبع الكاتبة سفيتلانا الكسيفيتش، وإن كانت كتاباتها جميعًا بالروسية كونها بيلاروسية الموطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى