هبة عبد الوهاب تكتب: العبور مجددًا

بعد أكثر من نصف قرن على نصر أكتوبر المجيد، ما زال السادس من أكتوبر 1973 رمزًا خالدًا للعزيمة المصرية والإرادة العربية، إنه يوم العبور.

فقط مع مرور الزمن، بات من الضروري أن ننظر لهذا النصر العظيم باعتباره حدثا إنسانيا ثقافيا، ترك أثره العميق في وجدان الأمة ووجوه إبداعها المختلفة.

فمثلا وزارة الدفاع المصرية في السنوات الأخيرة أفرجت عن وثائق سرية أعادت رسم صورة التخطيط الدقيق لمعركة العبور، من خطة «جرانيت 2 المعدلة» إلى التكتيكات الميدانية الدقيقة لفتح ثغرات خط بارليف باستخدام المياه بدلًا من المتفجرات.

وفي المقابل، كشفت مذكرات لضباط إسرائيليين نشرت حديثًا عن حجم المفاجأة التي أحدثها الجيش المصري، ووصفها أحدهم بأنها “زلزال نفسي” هزّ نظرية الأمن الإسرائيلية من جذورها.

ونرى أن تجربة أكتوبر تخولت إلى مادة علمية تُدرّس في الكليات العسكرية حول العالم، كنموذج في التخطيط المتكامل والتنسيق بين الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.

كما تحوّلت لحظة العبور أيضا إلى “فكر مدني” في إدارة الأزمات، كأن يستلهم القادة والعاملون في مختلف المجالات مبدأ العبور وهو: “الإعداد الجيّد، التوقيت الحاسم، والثقة التي لا تهتز”.

صدقا لم تخلُ الساحة الأدبية من تجليات النصر، فقد تحولت الحرب إلى شرارة إبداع متدفقة، تجسد فرحة الأمة بعودة الكرامة.. حيث تم رصد تحوّلات المجتمع بعد النصر.

وكذلك السينما، التي قدمت أفلامًا خالدة تحتفي فيها بالجندي المصري في ساعات العبور.. الأشعار و الأغنيات المصرية كانت جزءًا من المعركة، فكانت الموسيقى سلاحًا روحيًا موازياً للمدفع والبندقية.
يقينا أن تختفي ذكرى أكتوبر من وجدان الشعب المصري، إلا أن الأمر الآن يتجدد حول كيفية استحضارها.

فبين من يرى أن النصر يُستدعى كل عام كطقس رمزي، ومن يطالب بإعادة قراءته كحدث إنساني وسياسي وثقافي، يظل التحدي الحقيقي هو أن نُبقيه حيًّا في وجدان الأجيال الجديدة، لا عبر الصور والأغاني فقط، بل عبر التعليم والبحث والإبداع.

فبعيدًا عن ميادين القتال، يحمل الجنود الذين خاضوا المعركة قصصًا عن الصبر، وعن معنى الوطن حين يُختبر في لحظة الخطر. يضعون دراسات جديدة في علم النفس العسكري تناولت شهادات الأبطال الذين واجهوا آثار الحرب على النفس والعائلة، مؤكدين أن الانتصار الحقيقي لم يكن في عبور القناة فقط، بل في تجاوز الخوف وبناء الإيمان بالقدرة على النهوض من جديد.

أخيرا؛ نحاول استعادة في نفس الروح المثابرة الشجاعة التي عبرنا بها، واستعدنا أرضنا الغالية، لنستعيد قدسنا العظيمة، ونضمد جراحها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى