أمسية بحرينية ملحمية بنقابة الصحفيين المصرية.. تدشين كتاب لأيقونة أب ورفقة درب

المنامة – أسامة مهران

في ليلة لا تُنسى، اختلطت فيها المشاعر الإنسانية بالمواقف النبيلة، احتفى النائب السابق لرئيس مجلس الشورى البروفيسور فؤاد شهاب بالطبعة الثالثة من كتابه الذي أحدث ضجة كبرى في الأوساط الثقافية والاجتماعية بالمنطقة “حبيبتي ابنتي سميتها مريم”، وذلك في قاعة الكاتب الصحفي المصري الكبير الراحل محمد حسنين هيكل بنقابة الصحفيين المصرية. أما الرعاية فكانت من صديق عمره ورفيق دربه رائد التعليم الجامعي في مملكة البحرين الرئيس المؤسس رئيس مجلس أمناء الجامعة الأهلية البروفيسور عبدالله يوسف الحواج.

وسط هذا الشجن الذي كان يلف القاعة الكبرى بالنقابة العريقة، تحدث الراعي ومؤلف الكتاب وابنته الأيقونة مريم. ملحمة إنسانية فردت أجنحتها على “وسط البلد” في القاهرة الكبرى، أعادت إلينا التجمعات العربية على أرض الكنانة، وذكرتنا بأيامنا الخوالي التي كنا نشهد فيها تجمعات المثقفين والمفكرين والسياسيين تحت ظلال الساحرة القاهرة، وبين ربوع وطن العروبة ومركز ثقلها المكين على مدى الأيام والحقب والعصور.

البروفيسور الحواج افتتح الأمسية العربية بكلمة شحذ فيها كعادته الهمم، تحدث عن مصر العروبة، عن أرض الكنانة، وعن عاصمة الثقافة والإبداع ومركز الثقل العربي .. “مصر القوية هي العرب الأقوياء”، هكذا تحدث العلامة الحواج بقلب عربي لا ينسى، وبعقل بحريني يدرك كيف ينهض بأمته ويلتحف بها تحت سماء لا تغطيها سوى الهموم والشجون والآلام الجاثمة على القلوب.

استمد الحواج قوة كلمته أمام كبار المفكرين والمسئولين العرب من قوة المكانة، من سلطته وسطوته على العقل والقلب والوجدان، من تاريخيته التي تمتد لآلاف السنين إلى الوراء، وعظمته التي تجلت وسط أمتها العربية الخالدة، وعلى المدى من أحلامها المتساقطة حلمًا بعد حلم. الحواج يذكرنا بكل ما هو جميل في حياتنا، وكل ما هو بديع عشناه بقلب القلب من أعماقنا، وبحب الحب لكل من يعيش تحت سماء هذه الأمة المكافحة الناهضة.

صديق العمر البروفيسور فؤاد شهاب يتحدث عن رحلة كفاحه مع الصديق من أجل إنقاذ ابنته مريم من فقد السمع وبالتالي فقد النطق، لم يتحدث عن الكتاب ولم يقرأ في صفحاته الذهبية جملة مفيدة أو حرفًا له تأثير على المتلقي، لكنه ارتجل كلمته وهو يرسل إلينا عشرات الرسائل من القلب إلى القلب، مشوار الكفاح مع والد مريم، كيف أنهما لم يتركا البنت تعاني ظلامية الوجود وعتمة المستقبل، وكيف أنهما طرقا جميع الأبواب، من تأسيس لجمعية تُعنى بالطفولة إلى مركز طبي “الأمير سلطان بن عبدالعزيز” لعلاج الصم، إلى البحث عن طبيب مختص يستطيع تحويل الأحلام إلى حقائق، والمحاولات إلى شفاءٍ عاجل وعافية من عند الله، تحدث وكأنه يعيش الذكريات لحظة بلحظة، بل وكأنه ينقلها إلينا كشريط سينمائي لا ينقصه سوى التصوير والإخراج وأحد فناني السيناريو الموهوبين.

لبشاشة الطالع أن البروفيسور الحواج كان يلعب كل هذه الأدوار خلال دقائق معدودات، تحدث بصدق وكأن الزمن لم يمر، حتى انتهى ليسلم الميكروفون لصديقه البروفيسور شهاب كي يتحدث عن قصة الطبعة الثالثة من كتابه الأيقوني “ابنتي حبيبتي سميتها مريم”، حيث يروي لنا لماذا اختار أرض الكنانة لكي يدشن هذه الطبعة تحديدًا، وكيف أن عبق التاريخ وهيبة المكان وطبيعة الحاضرين قد لعبت دورًا ملحميًا إضافيًا في إكساب لحظة التدشين رونقها، وفي التعريف بأهمية التدوين للأساطير التي نمر بها في حياتنا من دون أن تأخذ حقها من التعاطي والتداول والانتشار. البروفيسور فؤاد شهاب بحبه الكبير لمصر يختار دائمًا لكي يكون للمكان سطوته، ويقرر حتى يصبح القرار سليمًا وفي زمانه ومكانه المطلوبين.

الحب وحده لا يكفي إذا كان مجردًا من حيثياته، من شجرة أسبابه، محذوفًا من تاريخ شخوصه وأطرافه. هكذا يُعبر البروفيسور فؤاد شهاب عن حب الأب لابنته، هو حب من الله ولوجه الله، وهو دور وواجب ومسئولية وكفاح حتى النهاية، لا لشيء ولا انتظارًا لمقابل، إنما لكي يعيد للخلق كينونته العظمى، ولا يترك للصدفة مكانًا لكي تقول كلمتها وفلذة كبده تعاني، و”أم أبيها” تشكو السمع المفقود تمامًا كالبصر وأكثر، وضرورة المحاولة بالدعاء أو الاستعانة بصديق أو بطبيب، أو بذوي الخبرة والاختصاص، لم يكن في يوم من الأيام سلوكًا لا يؤدي إلى نتيجة، ولا أسلوبًا يقود إلى المجهول، هو عقل أستاذ وقلب أب وسلوك بطل، ذلك الذي حمل ابنته بين يديه وبجواره صديق العمر، ليبدأ كل منهما مشوار البحث عن الكلام، بدءًا من الصمت الرهيب وانتهاءً بإسعاد الحبيب.

هكذا كانت ليلة لا تُنسى، شارك فيها الأمين العام المساعد للشئون العربية بالجامعة العربية الأستاذ خليل إبراهيم الذوادي، والوزير المصري الأسبق علي الدين هلال، وعدد من النخب وأجهزة الصحافة والإعلام، سهرة حتى الإشباع، بضع ساعات ببضعة عقود.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى