الناقد أحمد فرحات يكتب: غزل سياسي

بقلم: الناقد أحمد فرحات

انشعب الغزل إلى طريقين مختلفين: كان غزلا صرفا مرة، وكان غزلا تختلج فيه السياسة، وتتنفس به مرة أخرى، ومعنى ذلك أن الظواهر الاجتماعية والسياسية التي ألمت بعمر بن أبي ربيعة أدت إلى شيء من الانصراف عن ممارسة السياسة عن رضى أو عن كره. فأما الذين انصرفوا عن رضى فقد وجدوا في الغزل تعويضا عن هذا الحرمان السياسي، وذلك هو الغزل المحض.. وأما الذين انصرفوا عن كره فقد انتقموا من خصومهم بهذا الغزل الذي يشبب بأزواج الخلفاء أو بناتهم، إرادة الكيد لهم والتشهير بهم، وذلك هو الغزل السياسي.  

المشهد السياسي في الحجاز: بعد اعتلاءمعاو ية بن أبي سفيان عرش الخلافة بدأتمعالم الأحزاب السياسية المعارضة للحكمالأموي تظهر بوضوح، فكان الحزب الزبيري،والحزب الشيعي، والحزب الخارجي، ولعلالحزب الزبيري هو أكثر الأحزاب السياسية تعصبا للحجاز وللحجاز يين، فقد أغضبهمنقل السلطة المركز ية من الحجاز إلى الشام، والاعتماد على القبائل الشامية اليمانية فيالحكم بدلا من الاعتماد على القبائل : المضرية عامة، وأهل الحجاز خاصة. قالعمر:

الحين ساق إلى دمشق وما كانت دمشقلأهلنا بلدا

ومما زاد في غضب الحجاز يين وحنقهمعلى الأمو يين غزوهم لهم في عقر دارهمبقرار أموي، وأيد شامية خاصة في وقعةالحرة التي حدثت في زمن يزيد بن معاوية،والتي أدت إلى حرق الكعبة، وقتل عدد كبيرمن الحجاز يين.

إن الأحوال السياسية السابقة أدت إلىأن تطفو الكراهية التي وصلت إلى درجةالحقد في بعض الأحيان على الأمو يين علىالسطح، وقد عبر الشعراء الحجاز يون عنهذه الأحوال من خلال شعرهم السياسيبشكل خاص، وتمثل بعضه في ما سميبالغزل السياسي، و يقصد به هجاءالخصوم السياسيين من خلال التغزلبنسائهم لا لمحبة لهن، ولكن إحراجالخصومهم، وانتقاما منهم لمواقفهم السياسية، وبسبب ما عملوه فيهم من حرمانسياسي، وغزو لديارهم، وقتل لأهلهم.

وبالتالي فلا غرابة أن يقوم عمر بن أبيربيعة باستخدامه أيضا مع ما هو معروفمن مكانة أسرته، وأطماعها في مجالالسياسة، فقد كان لأسرته مكانة اجتماعيةبارزة في الجاهلية، إذ كانت بنو مخزومإضافة إلى هاشم وأمية أعظم بطون مكة،وأصحاب النفوذ فيها، و يعتقد أن الوليد أخاجده كان يتوقع أن تنزل رسالة الإسلام عليه،و يكون هو النبي المنتظر، فقد ورد عنه قوله: “أينزل على محمد وأترك، وأنا كبير قريشوسيدها”؟ ولكن نزول الوحي على محمدعليه السلام حجمه، وقضى على أحلامه،وأحلام أسرته في هذا المجال، وكان والدعمر يدعى بالعدل؛ أي الذي يعدل قريشا؛لأنه كان يكسو الكعبة سنة، وقريش تكسوهاسنةأخرى . ومع تجدد الاختلاف علىالسلطة عادت مطامع بعض الأسر الحجازية العر يقة إلى الظهور من جديد، وكان معاوية يعي هذه المطامع؛ فقام بخنقها بوسائلكثيرة معروفة.

لقد فسر عبد القادر القط جمع عمر بينالغزل والفخر بقوله: “ولعلنا نلمس في هذاالفخر بالشجاعة والبلاء في الحرب والإشارةإلى البطحاء وبطن مكة ما يمكن أن يكونمواجهة غير صريحة لتلكالسلطةالتينزحت عن البطحاء، وبطن مكة، وسامتأهلها المهانة والخسف. إذا لماذا لا يكونغزله أيضا من هذا الباب؟!

لقد ذكر فلهاوزن أن بني مخزوم كانواينافسون بني أمية التي احتلت مكانهم منذموقعة بدر. وربما كان هذا السبب في تأييدبني مخزوم للزبير يين الذين قادوا اتجاهاقرشيا ينعى على الأمو يين استئثارهمبالحكم، سوى الحارث بن خالد، فإنه كانمروانيا. فقد كان عبد الرحمن بن أبي ربيعةشقيق عمر أحد الرؤوس في يوم الحرة معحامية المدينة يدافع عنها بني أمية، ويردهممع. المحاصرين، فاقتحم عليه أهل الشام،واقتتلوا حتى عاين الموت، لكنه نجا. وكانأخوه الحارث أيضا إلى جانب ابن الزبير،وقد عينه عبد اللهّٰ بن الزبير عاملا علىالبصرة، فكان له مركز عظيم هناك، وكانداعما لابن الزبير في حربه مع عبد الملك بنمروان، كما كانت ابنة عمر أمة الواحد زوجةلمحمد بن مصعب بن الزبير.

وإذا كان بعض الحجاز يين اختار طريقالمواجهة العسكرية في إظهار معارضتهللسياسة الأمو ية كما هو الحال عند الشيعةوالزبير يين، فقد اختار غيرهم منالمعارضين. فقد اختار غيرهم من المعارضينأو غير الراضين عن سياسة الأمو يين وسائلأخرى، منها وسيلة الشعر التي كانت وسيلةرائجة في ذلك الزمان رواجا كبيرا من ذلكالتغزل بنسائهم، وقد كان سلاحا موجعا،ودليل ذلك غضب يزيد على عبد الرحمن بن حسان، وهدر عبد الملك بن مروان دم ابنالرقيات، وربما سجن، ومن ثم قتل العرجيفي سجنه حسب ما تذكر بعض الأخبار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى