هبة عبدالوهاب تكتب: الكوارث الثقافية التي أفرزها ” أمير الشعراء”!
هبة عبدالوهاب
إن برنامج “أمير الشعراء” هو أحد أبرز المسابقات الشعرية العربية التي أطلقتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وربما يهدف البرنامج بشكل عام إلى دعم الشعر الفصيح وإحياء مكانته في العصر الحديث. فمنذ انطلاقه، جذب عددًا كبيرًا من الشعراء من مختلف الدول العربية، وقدم منصة للإبداع الشعري والتنافس الأدبي. ومع ذلك، ورغم النجاحات التي حققها على المستوى الإعلامي والجماهيري، تعرض البرنامج لانتقادات حادة لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالكوارث الثقافية التي يُعتقد أنه تسبب بها منها على سبيل المثال:
التأثير السلبي على الشعر العربي، رغم أن البرنامج يروّج للشعر الفصيح، إلا أن البعض يرى أنه يُفرّغ الشعر من محتواه الإبداعي والرسالي، ويحتول كثيرا إلى مجرد استعراضٍ على المسرح. في هذا السياق، أصبح الهدف الأساسي هو التأثير اللحظي على الجمهور أو إبهار لجنة التحكيم، مما يؤدي إلى طغيان الأسلوب الخطابي والاستعراضي على العمق الشعري والرسالة الثقافية. بالإضافة إلى:-
تسييس الثقافة؛ وهو الأمر الذي أثاره البرنامج، حيث واجه اتهامات عديدة بالتسييس، ونرى أن الجوائز والترشيحات لا تعتمد فقط على الجودة الفنية للنصوص، بل على توجهات سياسية وجغرافية. هذه الممارسات تساهم في تهميش أصوات شعرية حقيقية وإبراز أخرى لأسباب غير فنية، مما يؤدي إلى تراجع مصداقية البرنامج وتفريغ الثقافة من مضمونها النقدي والإبداعي.
كما تحضرنا كارثة هامة أيضا، وهي: التسليع الثقافي؛ وهو من أبرز الانتقادات الموجهة إلى البرنامج، حيث أن هذا البرنامج قام بتسليع الشعر والثقافة. فقد أصبحت القصيدة، التي كانت تعبيرًا عميقًا عن الوجدان والفكر، مادة تُباع وتُشترى على منصات إعلامية تستهدف الربح والمشاهدات. هذه النظرة التجارية للشعر أدت إلى تحويله من وسيلة للتعبير الإنساني إلى منتج استهلاكي.
وهذا بدوره أدى إلى: إضعاف القيم الأدبية؛ عبر تقديم الشعر كنوع من المنافسة الاستعراضية بدلًا من كونه فنًا نخبويًا يعكس القضايا الإنسانية والاجتماعية. كما أن التركيز على معايير شكلية مثل الأداء والإلقاء قد ساهم في تهميش الشعراء الذين يمتلكون إبداعًا فكريًا عميقًا ولكنهم لا يتميزون بالأداء المسرحي. ولكل ما سبق يمكننا الوصول إلى:
تشويه مفهوم الريادة الشعرية؛ حيث كان من بحمل لقب “أمير الشعراء” قيمة رمزية كبيرة، لكنه أصبح، في أعين البعض، مجرد لقب إعلامي لا يعكس بالضرورة موهبة الشعراء أو إبداعهم الحقيقي. هذا اللقب، الذي كان يُفترض أن يحيي الشعر العربي ويعزز مكانة الشعراء، أصبح مصدرًا للجدل حول أحقية الفائزين به.
ختامًا، لا يمكن إنكار أن برنامج “أمير الشعراء” ساهم في تسليط الضوء على الشعر العربي، وإحياء النص الخليلي والتفعيلي والمساعدة على تجديدهما، وهو بدوره أتاح فرص لظهور الشعراء الشباب، ولكن الكوارث الثقافية التي أفرزها تدعو إلى إعادة التفكير في طريقة إدارة هذا النوع من البرامج. فيجب أن تكون الأولوية لتعزيز الإبداع الحقيقي والمحتوى العميق بدلًا من التركيز على المكاسب الإعلامية أو السياسية.
و في النهاية، الشعر هو مرآة لروح الأمة، ولا يجوز أن يُختزل في عروض مسرحية أو حسابات ربحية.
هبة عبدالوهاب