الشاعر محمد الشربيني يكتب قصيدة ” هُنَا “
الشاعر محمد الشربيني
مهداة إلى”إيلان”الكرديِّ ورفاقه الذين التقمهم البحر..!!
وما عاد جلدُك..في ليلك النابغيِّ يحس قدوم الألمْ !!
كمثْل قطارٍ يفاجئه..
ثم يتركه مُشْبَعاً بالجراحات حتى الثمالة..
كم تتشهَّى حواسُك..
في غبْشة الصبح بعضَ أحاسيسها
تتشهَّى وظائفَ أعضائها الموجَعات
من الهمِّ والليل..إذْ يهبطان
فلا يُبقيان..
ـ بهذي الحواس البلاد العرايا تفاصيلهاـ
موطناً لقَدمْ !!!
ولا يُطلقان ـ لأسرابها النازحين الجياعِ..
وأفراخها الموجَعين ببرْد الضياعِ
إذا حاولوا أن يستغيثوا- يدا !!
وقد يَطْغَيان ..
لعل بهذا المكوثِ المكوثِ يَحولان ..
بين الصباح وبين المجيء غدا !!
★ ★
وما عاد جلدُك..فى ليلِك النابغيّ
يحسُ ّقدوم الألمْ
كمثل قطارٍ يفاجئُ خارطةً للبلاد العرايا التفاصيل
والنازحون أمام مرايا العيون
صفوفٌ..صفوفْْ
ألوفٌ..ألوفْ
وقدجرَّدتْهم عيونُ المرايا
من الصمت..من ورق التوت..
من أغنيات الشمَمْ
سيمضون حتماً بكل الممرات..صوْبَ الشواطئ..
من ها هنا..
هجرةٌ تتجدّد من قلب غرناطةَ..الجرحُ يمتدّ حتّى شفاه دمشقَ المدمَّاةِ..
من ها هنا..
هجرةٌ لا يُحدِّدُها موسمٌ فى الفصولْ
هنا آخر الصور الغائمات بدمع السواقى…
إذا أصبح النازحون ظلالاً
تُلوِّح قبل التبخُّر من مُقَلِ الياسمينْ….!!
هُنا آخر الصور النازفات لتلك الجبال..وتلك السهولْ
إذا طعنةُ الارتحال استفاق عليها النخيلْ
هْنا إخوةٌ أبرياءْ..
كإخوة يوسفَ لم يحفروا ألفِ جَبٍّ
وما استشهدوا بدمٍ فى العِشاءْ!!
هُنا النخوةُ اليعربيةُ وقت النداءْ
هنا صورٌ للشواءْ..!!
لسوف يصفُّفها اليائسون على صفحة الاتهام..
غداةَ انتحار الرحيلْ
لعل صكوكَ النجاةِ إلى سدرة المنتهَى..عَبْر بوابةِ البحر…
تسبقُها فى غناء النوارسِ برقيّةٌ..
باقتراب الوصولْ
هُنا الفُلْكُ…
والموج مثل الجبال…
ورُبَّانُها ليس نوحاً…
هُنا فُرْجةٌ للصعود إلى الفَلَكِ السندسىِّ…
هُنا زُرقةُ البحرٍ..
حيث نبثُّ طقوسَ الجِنازاتِ عبْر الأثير..
وننقشُ أسماء كلِّ الضحايا…
بهذا السوادِ الحريرىِّ فوق الأكاليل..
نُشْعلُ للتعْزِيَاتِ …
ألوفاً من الشمع حول توابيتهمْ…
وسْطَ قرْعِ الطبولْ
★ ★
وماعاد جِلدُكَ في ليلك النابغىِّ
يُحسّ قدومَ الألمْ
كمثل قطارٍ…
ليمتدَّ هذا القدومُ إلى حافة الاختناقِ..
وتبْلُغَ كلُ القلوبِ الحناجرَ…
يمتد هذا القدومُ..
إلى أن تحملق هذى التضاريسُ
لابدّ من فَرَجٍ..
يترجَّل ُعن خيله كالملاكِ
ليوقفَ هذا التساقطَ…
فى فُوَّهات العدمْ
ولابدَّ مِنْ فَرَجٍ يترجّلُ عن خيله كالملاك..
فينشقّ صدرُ السماء..
ويبرز مِلْءَ الفضاء نذيرُ البشارة
يبسطُ عَبْرَ صهيلِ الأشعة سلطانَه الفردَ فوق القممْ
هنا تستردّ البلادُ العرايا التوازنَ..
بين احتدام التفاؤل تحت المسامِ
وبين التصاق الخُطَى بالتبلُّدْ
هنا تستردّ الحروفُ على الاتجاه المُعَبَّدِ..والجاذبيةِ..روحَ التمردْ
ويوم يعاود جِلْدَكَ.. .
يا أيها العربىُّ قطارُ المساء…
سيلقاك قد صافحتْك العصافيرُ بالزقزقاتِ الحليبِ
ويلقاك ..
حيث تخلّلَ جِلدَكَ طقْسُ التجدُّدْ
فيرحل عنك المساءُ..
وقد طاردتْه سياطُ التوعُّدْ
★★
محمدالشربيني