ضجة في الشارع التجاري
المنامة – خاص
كانت المدينة هادئة، الشارع التجاري مكتظ بالمتسوقين استعدادًا للشهر الكريم، سباق فورملا واحد على أشده، حيث المتسابقين يبدأون السباقات التجريبية، والمحاولات المبدئية، تصريحات التجار في الصحف وإن كانت متحفظة لكن التفاؤل يسودها، والابتسامة تكاد لا تفارق الجهة المسئولة عن سوق المنامة القديم وشارعها التجاري العتيق.
إنها غرفة التجارة والصناعة في المنامة، وهي أعرق غرفة تجارة وصناعة في منطقة الخليج، هي صاحبة التنظيم المؤسسي الديمقراطي الفريد، مجلس إدارتها يضم دائمًا النخب التجارية والعقول الاقتصادية والخبرات المتوارثة أبًا عن جد، تقاليد قديمة لا تكاد تضل طريقها إلى الحياة بعد تغييرها، وإلى الشارع بعد نقل محتوياته إلى المجمعات والمراكز التجارية العملاقة أو المسماة بالذكية.
رغم ذلك مازالت “الغرفة” هي الممثل الشرعي والوحيد للقطاع الخاص في مملكة البحرين، تنوب عنه في الدفاع عن مصالحه، وتجلس على مقعده عندما يصيبه مكروه أو يلم به عرض أليم، هي التي تحمل شكواه إلى الجهات المسئولة، وهي التي تحقق له ما يسعى إليه وتسهل عليه وسائل التعامل والتواصل مع المؤسسات العالمية، والغرف التجارية العربية والدولية، ومختلف الهيئات ذات العلاقة.
كان الشارع التجاري هادئًا حتى جاء يوم الأحد الماضي بزعابيبه ورياحه وتقلباته المناخية المفاجئة، إنه المؤتمر السنوي العام للجان الغرفة التجارية العاملة، وهي المناسبة التي تستعرض فيها كل لجنة فرعية إنجازاتها وأعمالها خلال سنة مضت بالتمام والكمال استعدادًا لعقد الجمعية العمومية السنوية لـ”بيت التجار”، صحيح نسيت أن غرفة التجارة والصناعة وبعد مرور 70 سنة على تأسيسها قد تبدل اسمها لتصبح “بيت التجار”، لكن يا ترى هل أصبحت فعلاً بيتًا للتجار، مأواهم ومستقرهم عندما تضيق بهم الحياة؟
صغار التجار يجأرون بالشكوى من تهميش الغرفة وعدم قيامها بدورها الحقيقي في تمثيل التجار نيابة عنهم، والاكتفاء بدور الوسيط مع أجهزة الحكومة وليس كبديل عن التاجر، بمعنى أن الغرفة لم تعد ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للتجار والصناع وأعضائها من القطاع الخاص، فكيف بالله عليكم تصبح “بيتًا للتجار”، أو حضنًا دافئًا لهم؟
جاء اليوم الموعود الأحد الموافق 25 فبراير 2024، بالتحديد قبل انعقاد المؤتمر وقبل انفراج أسارير أجهزة الإعلام بالغرفة، حيث فوجئ الحضور بمسرحية هزلية عن السوق القديم الخالي من الحمامات العامة، ويا ليت العبقري الذي قام بتأليف المسرحية قد أتقنها أو اختار من يستطيع أن يعبر عن المشكلة بحرفية وإتقان واحترام لخصوصية البلاد والعباد.
الكارثة أن المخترع المسئول قام بالتعبير عن المشكلة بشكل مقزز، بألفاظ ننأى عن تكرارها أمام السادة القراء، ولدرجة أن الأخوة أعضاء مجلس إدارة الغرفة أو بيت التجار لم يتحرك لهم ساكن، لم يعترضوا ولم يوقفوا هذه المسرحية الهزلية المسيئة للغرفة والوطن.
انتهت المسرحية، لكن آثارها السيئة لم تنته، فكل مفردات المجتمع تتحدث منذ ذلك الاجتماع، بل ومنذ تلك المسرحية الهابطة عن مستقبل الغرفة، يا هل ترى يا هل ترى، ما هو مستقبل هذا المجلس الذي جاء منتخبًا وقد يذهب من دون انتخاب؟
وبدأت الصحف في تكهناتها عن الشخصيات التي يجب أن تدير مجلس إدارة الغرفة، وذهب بعضها إلى شخصيات سابقة كانت قد أدارت “بيت التجار” بكل كفاءة واقتدار، أمثال عصام بن عبدالله فخرو، بل إن البعض ذهب ليتحدث عن انتخابات مبكرة، بينما انبرى البعض الآخر في اختيار لجنة مؤقتة لإدارة الغرفة حتى يحل موعد الانتخابات القادمة بعد سنتين من الآن.
وهكذا دخلت منظومة الشارع التجاري البحريني في حسبة لوغاريتمية معقدة، والسبب: جهاز إعلامي غير محترف، ومجلس إدارة لم يقم بواجباته الرقابية مثلما يجب أن تكون.