وحيد مهدي يكتب: الفارق بين بهاء طاهر وميسي!!
بعد أيام قليلة تعلن لجنة البوكر العربية الفائز بجائزتها الروائية لهذا العام
وكان أول فائز بالبوكر العربية الروائي المصري بهاء طاهر في عام ٢٠٠٨
وقد دفعتني هذه الذكري للتفكر في مفارقة باتت حاضرة في واقعنا المعاصر!
مفارقة تقارن بين الثقافة والرياضة.. و ترصد حال المثقف الذي يمسك بالقلم ويصنع الحرف والمردود المبالغ فيه الذي يحصل عليه لاعب يركل الكرة أمام عدسات الكاميرا!!
فيا تري ما الفرق بين بهاء طاهر وبين ميسي المرشح هو الاخر لجاىزة أفضل لاعب في العالم بعدما حقق كاس العالم مع منتخب بلاده؟!
أو بمعنى أوسع ما الفارق بين ضارب الكرة وصانع الحرف؟!!
في البداية لك أن تعرف يا صديقي العزيز أن الكاتب الراحل (بهاء طاهر) رحمه الله، توفى وهو في عمر 87 عاما، وكان قد حصل على جائزه البوكر للروايه العربيه في عام 2008 عن روايته (واحة الغروب)، أي أن عمره وقتها كان 73 سنة!
ومن قبلها كرمته الدولة ولم تبخل عليه بجائزتها التقديريه في سنة 98، وعمره حينها ٦٣ عاما!! وربما كان الكاتب الكبير حتى عام 95 معروفا لدى اغلب القرغء إلا المهتمين منهم بالادب شكل اكثر تركيزًا.
لكن شهرته في هذا العام -٩٥- بدأت في البزوغ بعدما تحولت روايته (خالتي صفيه والدير) الى مسلسل تلفزيوني، وكتب اسمه على تتر المسلسل، وكان أديبنا القدير حينها قد وصل إلى عامه الستين.
أما ميسي ذلك اللاعب الأرجنتي الذي قضى أغلب فترات عمره منذ الطفوله بأسبانيا محترفا بنادي برشلونة فقد فاز بجائزة الكرة الذهبية سبع مرات! كان أولها وهو لم يبلغ من العمر بعد اثنان وعشرون عاما!
فضلا على أنه من المتعارف عليه لاعبي الكرة يتقاضون أضعاف ما يحصل عليه أي كاتب او عالم يقضى عمره بالمعامل والمختبرات..!!
وأن رياضي واحد من أمثال ميسي في كرة القدم، وتايجر وودز في الجولف، وسيرينا ويليامز في التنس، استطاع كل منهم جمع ثروة أكبر مما حصل عليها علماء وأدباء نوبل الفائزون في فروع الجائزه المختلفة على مدى 100 عام كاملة من قيمة الجائزة المادية!!
لكن الجميع عندما يتحدثوا عن هذه المفارقة يجانبهم الصواب، وتغلب روح السخرية فيهم على التدبر المنصف للحقيقة ويتناسوا أن الرياضي سنوات توهجه وتألقه محدوده، وكلما تقدم في العمر ضعفت إمكانياته، وتراجع سعره.
بعكس الكاتب، والمفكر، والعالم، الذين كلما طالت أعمارهم، زادت خبراتهم.. واتسعت قدراتهم، وتضاعفت قيمتهم.. وارتفع سعر ما يقدموه من إبداع.. ولنا في الروائي بهاء طاهر -وغيره كثر – خير مثال: أن طاهر نفوذه كموظف مرموق بالأمم المتحدة أنتهي بتقاعده، أما تأثيره ككاتب.. فأتسع وازداد بعد هذا التقاعد! ولن يزول رغم الوفاة! وغالبا سيتعاظم جيلا بعد أخر!!
هذا الفارق يمكن إيضاحه بأن لاعب الكرة يشبه الطعام اللذيذ المعد بحرفية عالية، قد يكون شهيا ونحتاجه كل يوم لكنه لابد أن يؤكل ساخنا، أو على الاقل طازجا، او بالكثير محفوظا لفتره قصيره في الثلاجة..!
اما المفكرون والعلماء فهم المعادن النفيسة التي تصقل وتعرف قيمتها بمرور السنوات عليها، وهم قارورة العطر التي كلما تقادمت ازدادت عبقا وجمالا وتأثيرا! لذلك أفضل أن لا يبدأ الكاتب الروائي تأليف روايته الأولى إلا بعدما يتم الاربعين!
ولا مانع ان يمارس قبل ذاك السن تدوين إبداعات أخرى، كالخواطر والشعر أو كتابة المقالات أو حتى القصة القصيره.. لكن الرواية -في راى الشخصي- تحتاج الى عقل أكثر نضجا ووعيا، وخبرة حياتية ومعرفة بالأساليب السردية!!
وبالطبع هذا كما قلت رأي شخصي غير ملزم، وله استثناءات عالمية لا يمكن تجاهلها.
وبعيدًا عن جدا العمر الأمثل للتفكير في كتابة رواية، فالحقيقة التي لا تقبل جدل ونتعله نحن ككتاب من روادنا في الادب هي أن هواصل المسير بلا كلل، ولا نتخاذل عن استكمال المشوار، و ان نكتب دون انتظار تحصيل نتاىج مادية سريعة..
والاجتهاد في الابداع بغير استعجال تصفيق الجمهور -ولو كنتم بالفعل تستحقوه من الأن- فهو أت ولو بعد حين!
الكتابة قد يكون مكسبها المادي أقل؛ لكن حتما أثرها في النفوس أبقي
فيا أصدقائي الكتاب لنحاول أن لا ندع الملل يصيبنا بالفتور، ولا الجزع يقتل حماسنا، ولا الخوف يفقدنا ثقتنا في ذواتنا.
فالكون يرغب في وجود رياضي بارع كميسي وصلاح رونالدو يمتع الناس الآن فيما يشبه (البث المباشر) بمحدوديته الزمنية.. ويحتاج لكاتب واعي يكسر سطوة الزمن، ويتجاوز إحساس المتعة -على أهميته في الأدب ايضا- ليصنع لقرائه عوالم خاصة بهم، ويستعيد حيوات افتقدوها، ويبشرهم بآمال تناسوها، ولعله يغير مصائر ظن بعضهم أنها واقعة لا محالة.