متعة الذكريات في سرد القصة: تجربة محمد خليل في “جمل عتاقة”

يُعد محمد خليل من أبرز كتاب الجيل الثاني في القصة القصيرة بعد إدريس وبدوي، حيث كرّس حياته لهذا الفن وأسهم بتراث قصصي مؤثر جعله في صدارة كتاب القصة القصيرة. مجموعته “جمل عتاقة” تمثل نموذجاً مميزاً للسرد الذكري، حيث يستحضر الكاتب الذكريات ليحوّلها إلى مادة إبداعية تعكس خبرته الحياتية والفنية، وتمنح القارئ تجربة قراءة ممتعة ومليئة بالمعاني النفسية والإنسانية.

متعة الذكريات في سرد القصة

 

يعتبر السرد الذكري عند محمد خليل وسيلة لاستكناه النفس الإنسانية في مواجهة الواقع المعقد، خاصة في أجواء الحرب والحياة العسكرية. حين يتلاشى الواقع وتختفي معالمه، يلجأ الكاتب إلى الذكريات ليستعيد عالمه الداخلي ويستمتع بصياغته على الورق. هذه المتعة الذاتية تتجلى في نصوصه حيث يحتوي السرد على قيمة عميقة، سواء في الموضوع أو في التجربة الإنسانية التي يقدمها.

الحرب والحياة العسكرية في “جمل عتاقة”

تحتل الحياة العسكرية ومشاهد الحرب مساحة كبيرة في مجموعته القصصية، لكن ما يميّز خليل هو تركيزه على الجانب النفسي والإنساني للمجند، لا مجرد تصوير الأحداث القتالية. في إحدى قصصه، يصف رحلة العودة إلى الكتيبة وسط الجبال وما يعترضه من صعوبات، مشهداً يعكس التحديات والمخاطر اليومية، مع اهتمامه بالجانب العاطفي والرحمة تجاه الحيوانات أثناء الخدمة العسكرية.

الصراع النفسي والوفاء الإنساني

لا يكتفي محمد خليل بسرد الحدث، بل يستحضر الصراعات النفسية للشخصيات، مثل ارتباطه بالكلب الروسي الذي يرافقه خلال مهامه العسكرية، ما يعكس الوفاء والإحساس الإنساني العميق. عبر هذه التفاصيل الصغيرة، يتيح الكاتب للقارئ التماهي مع الشخصيات والتعرف على عالمهم الداخلي بعيداً عن السرد التقليدي للأحداث العسكرية.

البعد الوطني والقومي

ينتمي خليل فكرياً وروحياً إلى جيل الستينيات والسبعينيات، الذي حمل على عاتقه كفاح الأمة ونضالها من أجل الحرية والكرامة. هذا البعد الوطني والقومي يتجلى في نصوصه، حيث يشمل الحب للأرض العربية من الخليج إلى المحيط، ويبرز روح المقاومة والعزة في جميع القصص، مما يمنح السرد عمقاً فكرياً وفنياً متكاملاً.

وتمثل مجموعة “جمل عتاقة” تجربة فريدة في القصة القصيرة، حيث ينجح محمد خليل في المزج بين السرد الذكري، الجانب النفسي للشخصيات، والبعد الوطني والقومي. القارئ يجد في نصوصه متعة السرد، والقدرة على التأمل في المشهد الإنساني، لتصبح القصة القصيرة عند خليل تجربة ثرية تجمع بين المعرفة، الفن، والانفعال الإنساني.

اقرأ ايضا:

عادل إمام و”إسرائيل” في فيلم الهلفوت… قراءة سياسية في مرآة السينما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى