“مات الكلام صرخة شعريّة من قلب غزة”.. شعر سكينة جوهر
في عالم الأدب والشعر، هناك نصوص تتجاوز حدود الكلمات لتصبح صرخة إنسانية، وقصيدة ” مات الكلام” للشاعرة سكينة جوهر واحدة من تلك النصوص، عبر هذه القصيدة، تعبّر الشاعرة عن معاناة أهل غزة بصور مؤثرة وأحاسيس صادقة، لتسلّط الضوء على الألم، الصبر، والصمود في مواجهة الظلم.
والقصيدة تمثل مزيجاً من الفن الشعري والرسالة الإنسانية، وتبرز كيف يمكن للكلمة أن تصبح شاهدة على مأساة شعب كامل. ونص القصيدة:
لا تَشحنوا ضدي الملامْ
فعلَى فَمي ماتَ الكلامْ
وحروفهُ لي أعلنتْ
هجراً وولتْ في الزحامْ
وجرتْ تُكفكفُ دمعَ مَنْ
في (غزةٍ) سَكنوا الخيامْ
وعلى الثّرى مَاتوا جِياعاً
.. لا شرابَ ولا طعامْ
والعُربُ في تُخماتهمْ
ومنامُهمْ (ريشُ النّعامْ)
زادتْ مآسيهمْ .. وهمْ
في فيضِ صبرٍ واعتصامْ
وسلاحُهمْ ضِدَّ العدوِّ
صمودُ شعبٍ لايُضامْ
مازالَ في تقتيلهمْ
كَي يَنزحوا.. عاماً ف عامْ
مُستخدماً شرّ الأساليبِ
.. المُميتةِ للسلامْ
حتى وإن أفناهمُ
لنْ يَستكينوا لانْهزامْ
وَجميعُنا في الاسْتكانةِ
.. هارباً طيَ الغَمامْ
لانُحسنُ اليومَ الدفاعَ
..عنِ الحلالِ .. أو المُضامْ
وسِلاحُنا عنْ أهْلنا
في (غزةٍ) فيضُ الكلامْ
شجبٌ وتنديدٌ رفعْناهُ
.. كما حدِّ الحُسامْ
ونَسينا أنَّ الشَّجبَ لا
يَقضي على حُلمِ الطّغامْ
فطويتُ حَرفي جَوفَ شِعري
.. في قصائدَ لِلغرامْ
وأنا أعزّي أنفُساً
غرقتْ وتاهتْ في الملامْ
وتقولُ : ماتتْ أحْرفي
فأقولُ: بلْ نوتْ الصِّيامْ
معْ أهلِ (غزّةَ) رُبما
كانتْ لهمْ برْداً .. سلامْ
فأمامَهمْ ذي أحْرفي
عرجاءُ.. يَقتُلها السقامْ
أفنيتُ عُمري في كتابتِها
.. و أرجو للسلامْ
فاطْووا الملامَ .. لأجلِها
إني صَمتُّ عن الكلامْ
وصمود غزة في كلمات الشعر، تبدأ سكينة جوهر قصيدتها بتصوير صمتها الداخلي، وتقول: “لا تَشحنوا ضدي الملامْ، فعلَى فَمي ماتَ الكلامْ”
وهذه البداية تمثل موقف الشاعرة الإنسانية، التي تُعبر عن عجز الكلمات أمام حجم المأساة، لكنها لا تتوقف عن سرد الأحداث. القصيدة تنتقل بعدها لتصوير حياة أهل غزة، من الجوع والمعاناة، إلى صمودهم في مواجهة الحصار والاعتداءات، مستخدمة رموزاً شعرية مثل: الثرى والجوع، ريش النعام كرمز للضعف المستتر، الصبر والاعتصام كسلاح ضد الظلم.
لغة القصيدة ورمزيتها
تتميز لغة القصيدة بالرصانة والأسلوب المقتصد في الكلمات، مع استخدام الصور الرمزية التي تعكس الواقع المؤلم: صمود الشعب يمثل السلاح الحقيقي ضد العدوان، والشجب والتنديد يُصوَّران كإجراءات غير كافية، تُبرز مدى الألم والمعاناة الإنسانية.
والحروف الميتة ترمز لعجز الأدب أحياناً في التعبير عن الظلم الكبير، لكنها تعكس أيضاً التضحية ووفاء الكلمة الإنسانية.
رسالة القصيدة الإنسانية
القصيدة ليست مجرد سرد لمعاناة غزة، بل هي نداء عالمي للسلام والعدالة. تقول الشاعرة: “وأرجو للسلام، فاطووا الملامَ .. لأجلِها إني صَمتُّ عن الكلامْ”
هنا تتحول كلماتها إلى رسالة مباشرة للعالم، تدعو للتوقف عن اللوم والشجب الذي لا يُجدي شيئاً، والتركيز على تقديم الدعم والمساندة الإنسانية.
قصيدة “مات الكلام” للشاعرة سكينة جوهر تعد نموذجاً للشعر الذي يمزج بين الجمال الأدبي والرسالة الإنسانية. فهي تذكرنا بأن الشعر يمكن أن يكون صوت المظلومين، شاهداً على الصمود، ونداءً للسلام. عبر هذا النص، تتجلى قوة الكلمة وقدرتها على إحياء الضمائر الإنسانية، وإلهام القراء للتأمل في معاناة الشعوب وصمودها.
اقرأ ايضا:
” يهواكَ قلبي “.. نص شعري لـ سكينة جوهر



