“ليلة مشهودة في حضرة الملكوت”.. قصيدة للشاعر أسامة مهران

قصيدة : أسامة مهران

ديسمبر 2025

في هذه القصيدة، لا يكتب الشاعر عن حدثٍ عابر، بل يفتح بوابةً على رحلة روحية شائكة، تتقاطع فيها الأسئلة الكبرى مع التراث الديني والرمزي، ويتجاور فيها التمرد مع التوسل، واليقين مع الشك.

«ليلة مشهودة في حضرة الملكوت» نصٌّ شعري كثيف، يحمل ملامح المناجاة الصوفية، ويعكس صراع الإنسان المعاصر مع الفهم الموروث، ومع الجماعة، ومع ذاته قبل كل شيء.

إنها مواجهة صريحة بين الروح وسلطات التأويل، بين الإيمان النقي واليقين المصنوع، حيث تتعدد الأصوات وتتشابك الرموز، من الأنبياء إلى بلال، ومن أُحد إلى المجدلية، في نسيج شعري يختبر حدود الطاعة والحرية، والاقتراب والخذلان.

نص قصيدة الشاعر أسامة مهران

تمردتُ يومًا

على ما أتاني

ذات دعاءْ

على ما اعتراني

في ليلة من ليالي الشتاءْ

أفِقْ

لم أفِقْ

وسلمتُ أمري

لما قد تراءى

إليَّ

ومن قد تعالوا على الكبرياءْ

فقررت أن أختم الصلوات سريعًا

لكي لا أهنئ

كل المصابين بالجرحِ

قبل الشفاءْ

أهذا الذي كان يهذي

بأم القصيد

ويرمي من دون رامٍ

ولا يكتفي بالصعيد البعيد

أهذا الذي لم يهنئ كل

الدوابِ

برجعِ الصدى

وانعتاق الغياب

أهذا الذي لم تراهن

عليهِ السماءْ

ولم يؤتِ أي انسجام

عمن كان يستعمر القلب

والروح والاحتواءْ

يقولون حامٍ وسامٍ

وما جاء في سحر يوسف

من بيناتِ البلاءْ

ومن قال أن التجني وئامٌ

مع الأتقياءْ

أيجدي يمينك

ويشهد لسانك

هو ذات يومٍ

تمردتُ فيه

على الأنبياءْ

وها أنت تأتي إلينا

على هيئة المسلمين الأوائل

مرتديًا حلة من أُحدْ

أحدٌ

أحدْ

ويصرخ بلالاً

ومن فوق مأذنة لا تبالي

حقوق الرعية

ولم ترتضي أن يُلام العزيز

المُذلْ .. ليفري فريه

فلن ينطق الجن عنكَ

ولن يُشرك الناس بك

ولن يرحموك إذا ما تعدوا

بالحب

والرب

عبر الحصون عليك

أفِقْ

لم تفقْ

وقلتُ أغثني يا ربي

كي أصفيكَ

وضم إليَّ فريقك

قبل الختانْ

وقبل انهيار الجرونِ

على الأقحوانْ

ولا تتقول بعد الرحيل الكبير

على من تشبث بالورد

يوم التحاقه

بـ”المجدلية”

أينفع هذا الخليط المهيمن

على كل آتٍ من الغيب

كي نلتقيه

وكي نفتديه

بالتقية الحيدرية

فقال: الفتن يا صديقي

تهيمن على الانسحاب العظيم

من الرؤية المستباحة

لمن يسلم الروح لي

ولم يلتقِ الوحي

فوق التخوم

وتحت أعالي النجوم العصية

تماديتُ

أبديتُ

كل الخصالِ

وكل الحِكَمْ

وقلت التمني لي

فقالوا التمادي لكم

بذات المعلم

وذات القلمْ

فلم ينصتوا

ولم يحسنوا الاختيارْ

ولم يقطعوا الشك

في وضح الانكسارْ

وكانوا جنودًا لكل

الذين أتوا من خبيئة نوحٍ

فلم يشربوا ماء زمزمْ

ولم يؤمنوا بالضريحْ

فأهلي الذين تركتْ

وكل الذين احتميتْ

فكنت الذي قد يصومْ

أكنتم تناجون ربًّا

ولا تُرحمونْ

أقول لكم: يا رفاقي

أقول لكم: يا وفاقي

أقول لكم: يا فراقي

أتيتُ إليكم

ويا ليتني ما أتيتْ

وحين اشتهيتْ

ويا ليتني ما اشتهيتْ

تركتُ الوداع وحيدًا

ولله وحدي

مشيتْ

تنتهي هذه الليلة المشهودة بلا يقينٍ جاهز، لكنها تنتهي بصدقٍ عارٍ من الزيف.

يختار الشاعر  أسامة مهران  في ختام رحلته أن يمشي إلى الله وحيدًا، بعد أن ضاقت به الجماعات، واختلطت الأصوات، وتنازعت الرايات.

إنها قصيدة عن الإنسان حين يكتشف أن الطريق إلى الإيمان لا يُمهد بالهتاف، ولا يُختصر بالشعارات، بل يُسلك بالصمت، وبالسؤال، وبالقدرة على الوقوف منفردًا أمام الله، هكذا يُغلق النص دائرته: تمردٌ بحثًا عن الصفاء، وعزلةٌ ليست هروبًا، بل خلاصًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى