Site icon مباشر 24

️ حين يصبح الكاتب رسولًا.. بقلم: أميرة مهداوي

أميرة المهداوي

أميرة المهداوي

أميرة مهداوي

لم أدرك يومًا، وأنا طفلة لا تتجاوز التاسعة من العمر، أن ما أقرأه سيغدو يومًا ما بنكًا من المعلومات ومخزونًا في الذاكرة يقود أهوائي ويشكّل وعيي وتوجّهاتي.

ولم أكن أعلم أن الكاتب الذي أقرأ له آنذاك كان يحمل رسالة مقدسة، يبني بها في العقول الصغيرة أوطانًا من الحلم والجمال، ويستحضر بها زمانًا لا يزول.

بدأت الحكاية حين أصابني شغف قراءة الألغاز، فالتهمت بشغف مذهل قصص “المغامرون الخمسة” و**“الشياطين الـ13”** لمحمود سالم، ذلك الكاتب الذي لم يكن يدري أنه، بحكاياته البسيطة، يزرع فينا عشقًا خالدًا لمصر؛ عشقًا يمتد من الأهرامات في الجيزة إلى معابد أسوان وأسيوط وصعيدها الجميل.

لقد غرس في وجداننا حب النيل، ودهشة المومياوات، وسحر المعابد، وعبق شجر الجميز وحقول الأرز، حتى باتت مصر قبلةً في خيال أطفالٍ لم يروها بعد، لكنهم أحبّوها كما لو عاشوا على ضفافها.

ومع مرور الأعوام، كبر القارئ الصغير، وكبرت معه المخيلة.

تجولتُ كثيرًا بين أحياء القاهرة التي عرفتها أولًا على الورق: الحسين، والسيدة زينب، وخان الخليلي، وشارع محمد علي، والدقي، وقصر الشوق، والسكرية، وبين القصرين.

كل زاوية كانت تحمل بصمة من الأدب، وكل ركن يستدعي ملامح شخصياتٍ خالدة رسمها نجيب محفوظ في أذهاننا.

لقد أسّس محفوظ في داخلنا ركنًا مصريًا خالصًا، زاخرًا بالشخصية الشعبية التي تجمع بين البساطة والصلابة، وتعيش على قواعد أسرية راسخة وضع لبناتها “سي السيد” رمزًا للسلطة والأبوة والهيبة في آنٍ واحد.

أما طه حسين، فقد رسم لنا الصعيد بخضرته وحقوله الممتدة وسواقيه وثيرانه، وصنع في وعينا شخصية الفلاح المصري النبيل الذي يروي الأرض كما يروي القلوب بالعطاء.

ولا يزال صوت نقيق الضفادع في روايته الأيام حيًا في الذاكرة الإنسانية، شاهدًا على عبقرية الكاتب الذي رأى بعين القلب ما لم تره الأبصار.

لقد كانوا جميعًا – العقاد، وتوفيق الحكيم، ويوسف السباعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومصطفى محمود – رسلًا بلا رسالات،

وسفراء بلا سفارات،

يحملون حب مصر إلى كل قلب عربي أصيل، وينشرون رسالة الأدب الخالد الذي يبني الأمم بالكلمة، لا بالسيف.

فما أعظم أن يكون الكاتب رسولًا…

رسولًا للحلم، وللوعي، ولل

Exit mobile version