كواليس انسحاب نجيب الريحاني من فرقة الشيخ سلامة حجازي

تُعد قصة انسحاب نجيب الريحاني من فرقة الشيخ سلامة حجازي بعد وفاة الأخير في عام 1917 من أبرز الحكايات في تاريخ المسرح المصري. تجسد هذه القصة تحديات إدارة الفرق المسرحية وكيف استطاع الريحاني تحويل أزمة كبيرة إلى فرصة للابتكار والنجاح. من انسحابه المؤقت وإصراره على وضع شروطه، إلى إعادة هيكلة الفرقة واستحداث عروض استعراضية مبتكرة، برهن نجيب على براعته الفنية والإدارية معًا، مما أعاد الجمهور إلى مسرحه وأعاد الفرقة إلى أوج عطائها.

كواليس انسحاب نجيب الريحاني من فرقة الشيخ سلامة حجازي

وترجع تفاصيل انسحاب نجيب الريحاني من فرقة الشيخ سلامة حجازي إلى الآتي، فقد توفي إلى رحمة الله الفنان الكبير الشيخ سلامة حجازي، وانتشر الخبر بين الوسط الفني وذلك في نهاية عام 1917، وعبر كل مسرح عن حزنه. ولما كان نجيب من أشد المحبين للشيخ سلامة، قرر إغلاق المسرح يومًا وعدم التمثيل وإعلان الحداد. أما الخواجة ديمو، صاحب الفرقة، فقد رفض هذا الاقتراح مكتفيًا بالوقوف دقيقة حداد، لكن نجيب أصر على رفع راية احترامًا للفقيد ووضع تقليد لعظماء المسرح.

اشتد الخلاف فقرر نجيب الانسحاب من الفرقة مع إسناد دوره في الرواية إلى إحدى الزميلات، طالبًا منهم الاستمرار بدونه.

حكاية أول حب في حياة نجيب الريحاني

ولم تمضِ أيام على ترك نجيب للمسرح حتى ابتعد الجمهور وأُغلق المسرح، ووجد ديمو نفسه في مأزق بسبب تمرد باقي أفراد الفرقة، كذلك فذهب إلى نجيب مفاوضًا في العودة إلى الفرقة، فوضع نجيب شروطه، وهي أن يتعدى ديمو عن إدارة الفرقة وعدم التدخل في شؤونها، ونسبة 30% من صافي الإيراد يوميًا. وقد وافق ديمو على ذلك تاركًا الإدارة إلى نجيب.

ومنذ هذه اللحظة يدير نجيب فرقته التي تحمل اسمه، مستغلاً خبرته في الحسابات من الوظائف التي عمل بها سابقًا. قام نجيب كخبير في الأعمال التجارية بأول عمل وهو جرد الخزينة، فلم يجد سوى مبلغ خمسين جنيهًا.

وضع الأستاذ أمين صدقي رواية جديدة (حماتك تحبك) وبدأت الفرقة في العمل، ويقول نجيب إنه عاد لجرد الخزينة بعد شهرين فوجد الخمسين جنيهًا كما هما، إذ استطاع أن يوازن بين الإيرادات والمصروفات.

فكر نجيب في خطة للإصلاح والبحث عن سبب هبوط الأرباح، وعرف السبب: ظهور الفنان على الكسار الذي أصبح منافسًا خطرًا له ولجميع الفرق. كان ملهى “دي باري” مجاورًا لمسرح الأجبسانة، واستطاعت مدام مارسيل أن تتفق مع على الكسار على العمل بالملهى.

يقول نجيب معترفًا بنجاح الكسار، إنه بعد البحث الدقيق وجد أن هذا الملهى قد احتكر إقبال الجمهور الذي يقصده بإقبال شديد يملأ المقاعد والمقصورات، وقد أثر بالفعل على نجاح الفرقة. فقرر أن يذهب ويشاهد بعين الخبير سبب الإقبال. استغل نجيب يوم إجازة المسرح وقصد مشاهدة فرقة الكسار على الطبيعة، وما شاهده فقد كان العرض عبارة عن استعراضات يغلب عليها العنصر النسائي الأفرنجي، يتخللها مواقف فكاهية للأستاذ على الكسار. ولم تكن الاستعراضات تحوي موضوعًا، ولكن اعتمدت أساسًا على فخامة الديكور والابهار في المناظر والاستعراضات الراقصة.

عرف نجيب أن هذا سبب إقبال الجماهير، فاجتمع بالفرقة وحدثهم بالأمر وطلب المشورة، وتم الاتفاق على عمل رواية استعراضية كلف بها الأستاذ أمين صدقي، وجعل الأناشيد على نغمات مطروقة، وصرف ميزانية على الديكورات والستائر، وتم خلط الاحتياطي كما يقول نجيب.

تم عرض الرواية، وبدأ الجمهور يعود ثانيةً إلى مسرحه، حتى إن الريحاني يقول إن رصيد الخزينة أصبح صفرًا في بداية الشهر إلى 400 جنيه في نهايته. نجحت الفرقة بإدارتها الجديدة، وأصبح نجيب إداريًا ممتازًا، رغم إشرافه على الإخراج والتمثيل، وكذلك مشاركته في وضع أفكار الروايات الجديدة بحس فني يعرف كيف يرضي الجمهور.

نبذة عن فرقة الشيخ سلامة حجازي

تُعد فرقة الشيخ سلامة حجازي من أقدم وأبرز الفرق المسرحية في مصر، حيث أسسها الشيخ سلامة حجازي في أوائل القرن العشرين، لتكون من أوائل الفرق الوطنية التي ساهمت في تطوير المسرح المصري. في وقت كانت الساحة المسرحية المصرية تعج بالفرق الأجنبية أو المستوردة، استطاعت فرقة حجازي أن تصنع هوية محلية، تجمع بين التمثيل والغناء، مقدمة عروضًا مسرحية مميزة تعكس الثقافة المصرية.

قدمت الفرقة مجموعة متنوعة من الأعمال، شملت مسرحيات تاريخية واجتماعية مثل “صلاح الدين الأيوبي”، “المظلومة”، و”اللص الشريف”، إضافة إلى أعمال غنائية دمجت بين التمثيل والموسيقى، مما أسهم في إثراء فن المسرح الغنائي في مصر.

كما تعاونت الفرقة في بعض الفترات مع فرق أخرى، لتقديم عروض مشتركة وخلق تجربة مسرحية أكثر ثراءً، وهو ما ساعد على توسعة جمهورها وتعزيز مكانتها في المشهد الفني المصري.

تظل فرقة الشيخ سلامة حجازي علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري، إذ وضعت أسسًا جديدة لتقديم المسرح الغنائي وفتح الطريق أمام الفرق المسرحية الوطنية لتصبح جزءًا من الإرث الثقافي المصري الحديث.

اقرأ ايضا:

“إيراداتها بلغت 800 جنبه”.. المسرحية التي أضحكت نجيب الريحاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى