قراءة في كتاب ثقافة العنف والإرهاب.. حين تتحول القصة القصيرة إلى مرآة للعصر

✍️ بقلم: السيد نجم

تعد الفترة التالية لحرب أكتوبر وما تبعها من تغيرات وتطورات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وظهور التيارات التي ترتدي رداء الدين، مرحلة شهدت بروز نوع جديد من الإرهاب الفكري، حيث كانت البداية لبعض مظاهر العنف والإرهاب في المنطقة العربية، وإن بدرجات متفاوتة بين الأقطار المختلفة.

قراءة في كتاب ثقافة العنف والإرهاب

وقد رصد الناقد أحمد عبدالرازق أبوالعلا هذه الظاهرة في كتابه «ثقافة العنف والإرهاب.. قراءة في قصص نهايات القرن»، الذي تناول فيه انعكاس ثقافة التطرف والعنف في القصة العربية القصيرة. وأرجع الناقد تلك الظاهرة إلى ما سماه «الإرهاب الفكري»، مشيرًا إلى أن سيد قطب، أحد أبرز رموز الفكر المتطرف، كان في الأساس ناقدًا أدبيًا، كما أشار إلى حادثة محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ على يد شاب متطرف لم يقرأ أعماله في أواخر القرن الماضي، بوصفها واحدة من نتائج هذا الفكر المنغلق.

الكتاب يمثل قراءة فاحصة لعدد من القصص القصيرة العربية بمختلف انتماءاتها الفكرية وزمن إنتاجها، دون أن يقتصر على جيل معين أو قطر عربي واحد. ومن بين الأسماء التي تناولها: أمين بكير، محمد عبدالسلام العمري، محمد جبريل، عبده خال، يوسف المحيميد، ومحمد المنصور الشقحاء.

يشير الناقد إلى أن القصة القصيرة العربية، في بداياتها، التزمت بالتيار الواقعي في تناولها للحياة اليومية، رغم اختلاف توقيت البدايات من بلد إلى آخر، غير أن المتغيرات الكبرى في العقدين الأخيرين من القرن العشرين أثرت بعمق في الأدب العربي، وجعلت الكُتاب يتناولون موضوعات جديدة، مثل ظاهرة العنف والإرهاب، لم تكن مطروقة من قبل.

جاء الكتاب في أربعة فصول؛ تناول الفصل الأول أثر ثقافة العنف والإرهاب على كتاب القصة القصيرة، بينما ركز الجزء الثاني على معالجة الأدباء الذين رفضوا التطبيع مع إسرائيل. وتناول الفصل الثالث نماذج من الكُتاب الذين أضافوا جديدًا لتجربتهم الأدبية أو تراجعوا عنها، فيما خُصص الجزء الرابع لدراسة تجربة بعض كتاب القصة القصيرة في السعودية، الذين تجاوزوا الشكل التقليدي للقصة.

ومن القصص التي تناولها الكاتب بالتحليل قصة «الولاية» للقاص محسن يونس، حيث يحاول الصياد «خليفة» إقناع الناس بأنه من الأولياء الصالحين، فيطالبهم بتقديره واحترامه، بينما يقف في مواجهته إمام المسجد الشيخ مصطفى، الذي يعترض على سلوكياته الزائفة. استخدم «خليفة» حماره وسيلة لإخضاع الناس، إذ كان الحيوان لا يهدأ إلا بعد إطعامه، وإلا هاجم كل من حوله. ومع تصاعد الصراع بين الشيخ مصطفى وخليفة، يتمكن الأول من السيطرة على الحمار، في إشارة رمزية إلى ضرورة أن يكون رجل الدين الحقيقي هو من يقود المجتمع ويهديه.

يرى الكاتب أن هذه القصة نموذج فني ناجح في التعبير عن الصراع بين التدين الحقيقي والتدين الزائف، وكيف يتحول الدين أحيانًا إلى وسيلة للهيمنة. ويخلص إلى أن الأعمال التي تناولت موضوع الإرهاب قليلة نسبيًا، لكنها استطاعت أن تعبّر فنيًا عن آثار العنف والتطرف، وتكشف صور القمع التي مارستها الجماعات المتشددة.

كما خصص الكاتب جزءًا من الكتاب للحديث عن مقاومة التطبيع في الأدب القصصي العربي، مشيرًا إلى أن القصة القصيرة شاركت بفاعلية في مواجهة هذه الظاهرة. ويستشهد بما حدث عام 1983 عندما نشر القاص السكندري نعيم تكلا بعض أعماله في مجلة إسرائيلية، وهو ما أثار موجة من الرفض في الأوساط الأدبية المصرية. وردًا على ذلك كتب عدد من الأدباء قصصًا ترفض التطبيع، في ما يشبه «حرب القصة ضد التطبيع»، ومن بينها قصة «انزل» للكاتب رجب سعد السيد، التي تصور سائق تاكسي مصري يكتشف أن راكبه إسرائيلي فيرفض التعامل معه رغم الإغراءات المالية، ويأمره بصرامة: «انزل».

السيد نجم يكتب: الجمهورية الجديدة.. نسقًا فكريًا ومجلات الطفل؟!

وفي الجزء الثالث من الكتاب، قدّم الناقد نماذج تطبيقية من قصص التسعينيات، منها أعمال منير عتيبة، خالد السروجي، سمير يوسف حكيم، حمدي أبوجليل، مرفت العزوني، ومحمد الليثي. وقد لاحظ أن شخصيات هذه القصص كثيرًا ما تبدو بلا انتماء زمني أو مكاني محدد، وأن الكُتاب أكثر ميلًا لاستخدام الزمن المضارع، وهو ما رآه الناقد علامة على شعور الجيل بالعجز عن الانتماء إلى البنية الاجتماعية.

أما الجزء الرابع فخصصه لجماليات التجديد في القصة القصيرة السعودية، حيث تتبع تاريخ تطورها منذ ما بعد الحربين العالميتين، مع اتساع التعليم والاطلاع على العالم الخارجي. واعتبر القاص عبده خال ويوسف المحيميد من رواد التجديد في القصة السعودية، لما أضافاه من مغامرة فنية وجرأة في التناول، وغنائية في السرد، مع اهتمام واضح بالتصوير الفني والرمزية.

وقد صدر كتاب ثقافة العنف والإرهاب ضمن مطبوعات «الملتقى الأول للقصة العربية القصيرة»، عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عام 2009، ويقع في 280 صفحة من القطع الكبير.

أما مؤلفه، أحمد عبدالرازق أبوالعلا، فهو ناقد أدبي مصري له العديد من المؤلفات في التاريخ الأدبي والمسرح والنقد الروائي والقصصي. عمل في مجال الصحافة الأدبية بعدد من المجلات والسلاسل الثقافية المتخصصة، منها: مجلة «الثقافة»، و«الثقافة الجديدة»، و«كتاب مواهب»، كما تولى إدارة النشر في سلاسل أدبية مثل «مجلة القصة»، و«كتابات نقدية»، و«أصوات أدبية». ويشغل حاليًا منصب مدير الشؤون الثقافية بإدارة المسرح في الهيئة العامة لقصور الثقافة.

اقرأ ايضا:

“صورة الجد”.. قصة قصيرة للروائي السيد نجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى