في محبة نجيب محفوظ … احتفالية خاصة بكتاب “المحطة الأخيرة” للمبدع محمد سلماوي

ما أروع أن يسرد مبدعٌ سيرةَ مبدعٍ آخر، خاصة في لحظاته الأخيرة، وذلك ما يدعونا لحضور اللقاء الثقافي المميز “في محبة نجيب محفوظ“، الذي تُقام خلاله الاحتفالية الخاصة بكتاب السردية التوثيقية “المحطة الأخيرة” للمبدع الكبير محمد سلماوي.

تأتي هذه الاحتفالية ضمن نشاط نادي القصة بمؤسسة الحسيني الثقافية، إحدى أبرز قلاع الثقافة الأهلية في جمهورية مصر العربية، وذلك مساء الخميس 9 أكتوبر 2025 بمقر المؤسسة في 45 شارع عين شمس – حلمية الزيتون.

ويتشرف اللقاء بمناقشة الكتاب كلٌّ من:

الأستاذ الدكتور عبد الرحيم درويش

الروائي والكاتب الأستاذ حسين عبد العزيز

الناقد الأدبي الأستاذ بهاء الصالحي

ويُقام الحفل في تمام الساعة السابعة مساءً، وسط حضور نخبة من المثقفين والأدباء ومحبي نجيب محفوظ.

نجيب محفوظ … حكيم الرواية ومثقف المقاهي

يُعد نجيب محفوظ أحد أعمدة الأدب العربي الحديث، وصوت القاهرة الذي لا يخفت في الذاكرة الثقافية المصرية والعالمية. هو أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، بعد مسيرة إبداعية امتدت لأكثر من سبعين عامًا، أضاء خلالها زوايا الحياة المصرية في رواياته، وجعل من الحارة الشعبية مرآةً للعالم الإنساني كله.

وُلد محفوظ في 11 ديسمبر 1911 بحي الجمالية في قلب القاهرة القديمة، وهو سابع أبناء موظف بسيط يعمل في الحكومة. نشأ وسط أجواء القاهرة الشعبية التي كانت تعج بالتاريخ والناس والمواقف اليومية، فكوّنت خلفيته الأدبية والاجتماعية التي ظهرت جليةً في أعماله الأولى مثل بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، التي شكلت معًا ثلاثية تاريخية خالدة.

درس الفلسفة في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وكان يطمح في البداية أن يصبح أستاذًا جامعيًا، إلا أن الأدب خطفه مبكرًا. بدأ نشر قصصه القصيرة في الثلاثينيات، وعمل بعدها في الوظيفة الحكومية متنقلًا بين وزارات عدة، منها الثقافة والإرشاد القومي. عُرف عنه الانضباط والالتزام، وكان يوازن بين وظيفته وأدبه بدقة نادرة، حتى تقاعده عام 1971.

رغم شهرته العالمية، كان نجيب محفوظ إنسانًا شديد التواضع، بسيط المظهر، عميق الفكر. لم يركب سيارة فاخرة، ولم يغيّر نمط حياته بعد نوبل، بل ظل يخرج كل صباح في موعده المحدد، ويجلس مع أصدقائه في مقاهي القاهرة القديمة. كان يحرص على الالتزام بالروتين اليومي بدقة؛ ففي الثامنة صباحًا يقرأ الصحف، وفي الثانية ظهرًا يذهب إلى مقهى “علي بابا” أو “قصر النيل”، ثم استقر لاحقًا في مقهى الأوبرا بميدان التحرير.

تُعد المقاهي بالنسبة لمحفوظ أكثر من مجرد أماكن للجلوس، فهي فضاءات للحوار والتأمل. في مقهى ريش، كان يلتقي المثقفين الكبار مثل يوسف إدريس وتوفيق الحكيم وأنيس منصور، بينما في مقهى الفيشاوي بحي الحسين، كان يلتقط ملامح الحارة المصرية وشخصياتها التي ألهمته رواياته. وبعد محاولة اغتياله عام 1994، أصبحت جلساته الأدبية تُعقد في مقهى «قصر النيل» ثم في فندق سفير بالدقي حفاظًا على سلامته، لكنها لم تفقد روحها ولا ضحكته التي كانت تسبق كلماته.

عرف عن محفوظ حسه الإنساني الرفيع وصدقه في التعامل مع الجميع. لم يكن يميز بين أديب كبير أو كاتب شاب، وكان يستمع للجميع باهتمام شديد. من أشهر مواقفه الإنسانية، أنه عندما حاول أحد الشباب الاعتذار له عن الهجوم عليه في الصحافة، ابتسم محفوظ قائلاً: «يا ابني، الهجوم في الأدب زي المطر، لو خفت منه مش هتكتب». كما كان كريمًا مع زملائه من الأدباء، يساعد الموهوبين دون إعلان أو ضجيج.

ورغم أنه عاش أغلب حياته في القاهرة، إلا أن كتاباته تجاوزت الجغرافيا إلى العالم الإنساني الواسع. تناول قضايا الحرية والعدالة والقدر، وصاغ فلسفة عميقة للحياة من قلب الشوارع الضيقة والمنازل البسيطة. أعماله مثل اللص والكلاب وثرثرة فوق النيل والحرافيش، تكشف عن وعيه الفلسفي العميق وإيمانه بالإنسان في صراعه الأزلي مع الزمن والسلطة والمجتمع.

في سنواته الأخيرة، ورغم ضعف بصره وصحته، لم يتوقف محفوظ عن اللقاء بأصدقائه ولا عن متابعة الأحداث الثقافية. كان يقول دائمًا: «أنا لا أكتب لأعيش، بل أعيش لأكتب». رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2006، تاركًا إرثًا أدبيًا يزيد على 50 رواية ومجموعة قصصية تُرجمت إلى عشرات اللغات، وجعلت منه ضمير الأمة وصوتها المتأمل.

نجيب محفوظ لم يكن مجرد روائي، بل كان مدرسة في الفكر والإنسانية والانتماء. جلس على مقاهي القاهرة ليكتب التاريخ الإنساني في سطور، فصار أدبه جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين مصر والعالم.

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى