هل مات النقد الأدبي فعليا؟ وهل هناك بدائل له تغني عنه؟
نشرت د. لطيفة الدليمي مقالة مهمة عن النقد الثقافي بعنوان دليلك إلى النظرية الأدبية بصحيفة الشرق الأوسط.
بدءاً تقوم فكرة المقالة على البحث عن كتب تأسيسية، تنضبط بموجبها عملية «المثاقفة» استناداً إلى «القراءات المنتظمة»، وإيماناً بالحاجة إلى «موجّهات دليلية نظرية».
وما بين التأسيس والتوجيه، يصبح التمييز مهماً بين فلاسفة وأدباء . وأخذ د. الغذامي على المقالة المهمة أن هناك فرقا بين نقاد أكاديميين يتعاملون مع النصوص المتحققة سلفا وبين النقاد الذين ارتموا في أحضان النصوص المغامرة الجديدة غير المطروقة.
ولكن .. عربياً كان الدكتور عبد الله الغذامي من أوائل المطبقين لهذا الجمع بين الأدب والثقافة، وفات الأستاذة الدليمي الإشارة إلى كتابه «النقد الثقافي» (2000)، وفيه جهد واع وبأفق نظري في الدعوة إلى النقد الثقافي. ولاقت دعوته رواجاً، وتباينت طرائق استيعابها؛ فكثير من نقاد الأدب العربي فهموا الثقافية على أنها دعوة إلى تجاهل النظريات الأدبية بمفاهيمها وأجهزتها الاصطلاحية. وبرأيهم أن ما داموا يعملون تحت يافطة «النقد الثقافي»، فإنهم في منأى من أي مؤاخذات علمية أو تصحيحات مفاهيمية. ووجد غيرهم في الإنشائيات واللعب على مفردات مثل «الأسئلة، الآخر، السرديات» ما يسهل عليهم تدبيج مقالات، هي في تصورهم نقدية، تغني عن عناء المدارسة المكثفة والتكريس المنتظم وقصدية الإحاطة المستمرة في عالم النقد الأدبي.
وكان من متحصلات القراءة السلبية لدعوة الدكتور الغذامي أن صار لدينا نوعان من الناظرين بانتقاص إلى «النقد الأدبي»: النوع الأول يرى أن النقد الثقافي بديل عن النقد الأدبي، والنوع الآخر يرى علم الأدب بديلاً عن النقد الأدبي. وهذا ما أكدته أيضاً مقالة الدليمي، فالنقد الأدبي كان في زمن ماض «ذا سطوة لا يمكن مخاتلتها»، ثم ذهبت السطوة و«خفت النقد الأدبي كثيراً» إلى أن تلاشى هذا النقد و«ظهر الأدب اشتغالاً عاماً لمختصين بالذكاء الاصطناعي والرياضيات والفيزياء، ولم يعُدْ احتكاراً خالصاً»، وكأن ليس النقد الأدبي حقلاً معرفياً عمره من عمر الفلسفة الإغريقية، وكأن ليس له من التخصص والعلمية والعمق التاريخي والأهمية الجمالية ما يؤكد استقلاليته، ويفنِّد أي محاولة لشطبه.
وأشاطر الدليمي مسعاها في البحث عن كتب عربية تصلح أن تكون «موجّهات دليلية نظرية في فضاء الأدب العربي والثقافة العربية»، لكن بشرط أن تكون مواكبة لمستجدات النظرية الأدبية، لا أن تعود بنا إلى ما قبل ثلاثين عاماً بأطروحتين لعبد الله إبراهيم (1996) وسعيد يقطين (1989) الأولى اتبعت في دراسة السرد العربي المنهج البنيوي، والأخرى اتبعت المنهج البنيوي التركيبي. فهل يصح عدّهما تأسيسيتين وفي مجال الدراسات الثقافية؟ بالطبع لا؛ إذ لم تقدما نظرية أدبية، ولا هما نهجتا منهج الدراسات الثقافية.
وما لا شك فيه أنَّ مشروع د. عبد الله الغذامي في اتخاذ النقد الثقافي بديلاً عن النقد الأدبي، كان واضحاً كل الوضوح. ليكون اسم الغذامي الأول في أي دليل عربي يوضع للدراسات الثقافية – وليس النظرية الأدبية – وبغض النظر عن مدى صحة المشروع أو بطلانه.
الناقد حر في أفكاره، ينطلق من الواقع الملتهب، يحاذر في كل كلمة، أو عبارة، مخافة أن تنفذ نقداته إلى القلب فتميته، فهو على قلق دائما.
الأكاديمي يتعامل غالبا مع الأدباء الموتى، فلا يفرق معه أن يدعي المتنبي النبوة من عدمه، ولا أن ينتقص من أخلاق أبي نواس، ولا أن يطعن في ولادة بنت المستكفي أو لا يطعن، يستوي الأمر لديه.
الناقد مرن في أحكامه وتحليله ونقده، لأنه يدرك ما فوق المناهج المعدة سلفا، ويعلم أن سقف الإبداع لا حد له، وخيال المبدع مجنح وطائش، مرن في تناوله للقصة، أو القصيدة واعتبارها عميقة أو سطحية، سارق صاحبها، أو أصيل، هو خبير بنفوس المبدعين بشكل أعمق، محب لهم، تجري في دماه المحبة خالصة.
