الناقد أحمد فرحات
بدأت الرواية العربية والمصرية خاصة خطاها على نهج الرواية الغربية، تقليدا أو تمصيرا أو ترجمة، وظلت مصر على صلة قوية بهذا الأدب، تتابع خطاه، وتتحدث عنه، وتفيد منه، ومن أشد سمات الرواية الجديدة موقفها من القارئ إنها تطالبه بأن يتعاون مع المؤلف في بناء عالم قابل للتنامي في خياله، ولم يعد المؤلف يقدم للقارئ في خياله، ولم يعد القارئ يقدم للقارئ عالما منتهيا كاملا، مغلقا على نفسه، مكتفيا بذاته.
إن مشاركة القارئ خلاقة ومبدعة، وتؤدي إلى تدفق إبداع الكاتب نفسه.
وهكذا ينتقل القارئ إلى الداخل، حيث الكاتب نفسه، إلى أعماق لم تبق فيها تلك الدلالات التي كانت تعينه على بناء الشخصيات، فالرواية العربية الجديدة لا تتعامل مع القارئ على النحو من المعاملة الذي يلقاه في السرد التقليدي ولذا أخذت شخصية البطل تترنح وتتحلل عندما فقدت دعامتي العقدة والدراسة النفسية..
ويرى دعاة الرواية العربية الجديدة أن الزمن لم يعد مسألة ساعة تضاف إلى ساعة أخرى، أو يوم إلى يوم، في خط مستقيم، لأن الخيال يمكن أن يتسع بها في لحظات معينة مهما تكن قصيرة، وأن يضغطها في لحظات أخرى أطول واقعا، والذاكرة لا تحترم التسلسل الحقيقي للأحداث أبدا، ومن حق الروائي أن يدع الأحداث مختلطة، وأن يدخل عليها ما شاء من تعديل. في هذا المعنى نسج د. طارق الزيات روايته وظائف في الآخرة، وشظى الزمن فيها، وتمرد على تقليدية الشكل التقليدي، وأفصح عن عالم يحوطه الخيال الخلاق، جاعلا من القارئ نقطة ارتكاز مهمة في بناء روايته، ومشاركا معه في صنع الأحداث لأنها غير مكتملة البناء، جاعلا حبكته الفنية أكثر غموضًا وتموّجًا وتراكيبه النصية أشبه بملصقات الرسوم التجريدية.
كما جعل من الحوار الداخلي عصب الرواية، وأغنى بنيتها باعتماد المستويات السردية المتداخلة, و ساهم في تحوير موقع البؤرة السردية للراوي متخليا عن تلك الروايات التي تجعل من الراوي إلها كلّي المعرفة, وذلك لمصلحة ذاتية نظرية متعددة ومتبدلة.
وأخيرًا رأى في الذين حرّروا الشخصية الروائية من النمطية الجامدة واستبدلها بضمير يمتصّ آلاف الانطباعات والتأثيرات, فضلاً عن الذين شعروا بضرورة الدمج بين الرواية ونظريتها لتصبح الرواية نفسها بحثًا في إشكالية الرواية بحد ذاتها، أي ميتارواية.
ومن الروايات العربية الجديدة أيضا رواية (فوق الجاذبية) للسعودي أحمد الشدوي؛ وهي رواية فاقت كثيرا من التوقعات التي رُصدت من أجلها، فتحقق لها ما أراد لها كاتبها سريعا، وغدت المرأة العربية في الرواية رمزا لكل تقدم علمي يقوم به شباب العرب في العلوم المختلفة سواء في الفضاء أو الكيمياء أو الفيزياء أعني عالمية الرؤية. فتحرّرت الرواية من الحبكة الدرامية والبنى التقليدية للسرد, ومن المنطق الذي حكم بناء الشخصية الروائية, ومن المضامين النفسية والأخلاقية والأيديولوجية.
بدأت الرواية من النهاية، وانتهت نهاية غير نمطية. إذ لم تعد وظيفة الرواية إظهار الحقيقة – أو حتى المساءلة – المعروفة مسبقًا, بل راحت تنثر تساؤلات تصعب الإجابة عنها.
وتعد رواية حامد الشريف “جريمة دبي” نواة لمشروع روائي شامل، يعتمد فيه المؤلف على تعدد الشخصيات، وتماهي الأحداث داخل مدينة دبي حيثأخذت الكتابة الروائية عند الشريف منحى أقرب إلى البحث منه إلى (التعبير) بحثٌ لحلّ رموز الواقع, بحثٌ استكشافي لعالم الخيال, بحث في أغوار الشكل وتعاريج الكتابة. بهذا المعنى كانت (الرواية العربية الجديدة), في مرحلتها الأولى, مشروعًا غنيا بالأفكار الجديدة.
لا شك أن (رواية جريمة دبي) كانت صعبة القراءة من قبل جمهور متوسط الثقافة، وغير معتاد على التعاطي مع أشكال من البنى السردية مضطربة،ومحيّرة وغير قابلة للتعليل والتفسير من خلال المعايير التقليدية التي نشأ عليها العقل والخيال.