“الفيدرالية الفاشلة في العراق”.. كتاب هيمن آكريي يستعرض الأزمة والحلول ودور القادة

صدر مؤخرا للدكتور هيمن آكريي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كتاب “تقييم الفيدرالية الفاشلة في العراق”، ويشارك به في عدد من المعارض الدولية بينها معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال يناير المقبل.

الكتاب صادر عن دار النشر البريطانية “راوتليدج” في 222 صفحة، مقسم إلى 9 فصول، ويشكل استكشافاً معمقاً للواقع العراقي المعاصر، حيث يجمع فيه المؤلف أكثر من 26 مقابلة حصرية أجراها مع قيادات عراقية من مختلف المكونات– الكورد والعرب من الشيعة والسنة والتركمان، إضافة إلى شهادات قيّمة من دبلوماسيين وخبراء دوليين، و زينه برؤى أكثر من 400 مصدر أكاديمي ورسمي، ليقدم رؤية شاملة للتجربة الفيدرالية العراقية وتشابكاتها المعقدة.

والدكتور هيمن آكريي، أستاذ محاضر في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة كردستان- هولير، متخصص في الفيدرالية، وخبير في السياسة الخارجية وقضايا النفط والأمن والسياسة العامة والحوكمة، نجح بكتابه الصادر بالإنجليزية، في الجمع بين صرامة التحليل الأكاديمي وثراء البُعد العملي المستمد من شهادات حيّة من صُنّاع القرار أنفسهم، وتأتي مساهمات نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان ورئيس الوزراء السابق لحكومة الإقليم، لتُضفي على العمل شهادات حيّة ذات قيمة استثنائية حول إفشال التطبيق الفعلي للنظام الفيدرالي. فخبرته كرئيس وزراء سابق ثم رئيساً لإقليم كردستان توفر رؤى فريدة حول التداعيات العملية لانتهاكات النصوص الدستورية.

وتجربة فشل النظام الفيدرالي العراقي التي يوثقها الكتاب تقدم دروساً بالغة الأهمية حول تحديات بناء أنظمة حكم شاملة في المجتمعات متعددة الأعراق، مما يجعله مساهمة قيّمة في فهم ديناميكيات الحوكمة في البيئات المتنوعة ثقافياً وعرقياً، فيتناول الدكتور هيمن آكريي بالتحليل تطور العلاقات الفيدرالية في العراق منذ إقرار الدستور الفيدرالي الجديد عام 2005 وحتى استفتاء استقلال كردستان عام 2017. مسلطاً الضوء على كيفية نظر الأحزاب المختلفة في العراق إلى الفيدرالية من زوايا متباينة، وكيف أن هذا التباين في الرؤى أفضى إلى مشكلات جوهرية.

ومن المنظور الكردستاني، مثّلت الفيدرالية درعاً واقياً من الاستبداد، بعد أن كابد معاناة قاسية تحت الحكومات العراقية المتعاقبة، بما في ذلك الحملات الإبادية في عهد النظام السابق، ويوضح نيجيرفان بارزاني هذا المفهوم بقوله: “الفيدرالية بالنسبة لنا تعني أمرين: أولهما، المشاركة الفعلية في مؤسسات الدولة، شاملة المؤسسات المالية والعسكرية والسياسية. وثانيهما، توزيع السلطة وفقاً للجغرافيا، وهذا هو جوهر الفيدرالية الحقيقي.”
ويبرز دور نيجيرفان بارزاني عبر صفحات الكتاب كشاهد أساسي على التحديات التي واجهها الإقليم، خلال الحقبة الحرجة الممتدة من 2005 إلى 2017، مقدماً رؤى بالغة الأهمية من منظور قائد عايش هذه الأحداث عن كثب، ومن أبرز إسهاماته تلك المتصلة بأزمة الميزانية، حيث كشف الستار عن كيفية توظيف بغداد للضغط الاقتصادي كأداة سياسية.

خطوات التقديم في اللوتري الأمريكي Dv lottery والرابط المباشر للتسجيل

لافتاً إلى أنه حتى في البلدان ذات الأنظمة المركزية تحرص الحكومات المركزية على إرسال الميزانيات إلى أقاليمها بصورة منتظمة، وبذلك يرسخ الكتاب مكانته كمرجع أساسي لا غنى عنه لكل من يسعى إلى فهم طبيعة العلاقات الكردية مع الحكومات العراقية المتعاقبة في بغداد، وآليات إدارة النزاعات القومية، والتحديات المتشابكة التي يواجهها النظام الفيدرالي في العراق، فضلاً عن الرؤى والتطلعات المستقبلية التي يرسمها للبلاد.

ويناقش الدكتور هيمن آكريي الأنظمة الفيدرالية الفعّالة، مشيراً إلى أن العديد من المختصين في الدراسات الفيدرالية يشيرون إلى الأمثلة الناجحة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، التي تتمتع بالديمقراطية والنمو مع “الحفاظ على مستوى من الحكم الذاتي الإقليمي”.

يؤكد الفصل الخامس من الكتاب أن الهدف الأساسي من صياغة الدستور بعد عام 2003 كان إنهاء الديكتاتورية والحكم المركزي المتصلب في بغداد، وإرساء نظام سياسي جديد يضمن تقاسم السلطة والإيرادات من خلال النظام الفيدرالي، وقد صيغ الدستور في فترة حظي فيها بدعم جميع الأحزاب الشيعية والكردية التي حرصت على إقراره بسرعة لتمكين انتخاب برلمان وحكومة جديدين في حقبة ما بعد صدام، و أقرّ الدستور بالوضع الخاص لكردستان فأسس نظام فيدرالي منح فيه حكومة الإقليم صلاحيات واسعة في الحكم الذاتي على محافظات دهوك وأربيل والسليمانية.

غير أنه بعد وصول الأغلبية الشيعية إلى السلطة في بغداد، سعت تدريجياً إلى تركيز السلطات في بغداد وانتهكت الأسس الفيدرالية للحكم، والمفارقة أن الشيعة الذين عانوا سابقاً من الحكم السني الاستبدادي في بغداد لنحو ثمانية عقود، بدوا عازمين على تكرار النهج نفسه بعد توليهم مقاليد السلطة، وعندما أحكمت السلطات العراقية، التي تهيمن عليها الأغلبية الشيعية، سيطرتها في بغداد، أدركت أن إقليم كردستان يستثمر الدستور والوضع الفيدرالي لتطوير الإقليم، فبدأت تنظر إلى حكومة كردستان بعين الريبة والخوف من احتمال الانفصال.

يؤكد المؤلف أن الكرد والعرب العراقيين تباينوا تاريخياً في رؤيتهم للحكم الذاتي الفيدرالي، فرأى الكرد في الفيدرالية ضمانة تحول دون عودة الاستبداد في بغداد، في حين اعتبرها العرب العراقيون وسيلة قد يلجأ إليها الكورد لتحقيق الانفصال، وبذلك لم تؤدِّ الفيدرالية الدور الذي أُريد لها، أما فيما يتعلق بالمادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها والتي تشمل مدينة كركوك الغنية بالنفط ومناطق أخرى خارج إدارة الإقليم، فقد كان لدى السلطات العراقية دائماً مخاوف حول تداعياتها. كانت قضية كركوك شائكة دائماً، وحتى في عهد ما بعد صدام، امتنعت بغداد عن تنفيذ المادة 140 التي كان من المفترض أن تحسم هذه الإشكاليات عبر آلية تحدد أي المناطق تنتمي إلى إقليم كردستان، فيما تعاملت الحكومة المركزية مع هذه المادة الدستورية بحذر شديد، خشية أن تمهد الطريق للانفصال.

في الفصل السابع، يوضح المؤلف التحديات التي واجهت تفعيل الفيدرالية المالية في العراق، فبعد أن وصلت مفاوضات حكومة إقليم كردستان مع بغداد بشأن إطلاق ميزانيتها إلى طريق مسدود، لجأت في نهاية مايو 2014 إلى تصدير النفط بشكل مستقل، ولولا هذا الخيار لكانت حكومة الإقليم مهددة بالانهيار التام، خاصة مع تزامن اجتياح تنظيم داعش في يونيو 2014، والانخفاض المفاجئ في أسعار النفط، فضلاً عن تدفق ما يقارب مليوني نازح ولاجئ عراقي وسوري إلى الإقليم طلباً للمأوى.

ويرى المؤلف، إذا كانت الفصائل السياسية الشيعية والسنية حريصة على بقاء العراق مستقراً وموحداً، فيجب عليها أولاً إعادة تعريف الفيدرالية بما يتوافق مع نصوص الدستور وتطبيقها في جميع أنحاء البلاد، وبناءً على التجربة السابقة بين عامي 2005 و2017، ينبغي منح الكورد وضعاً فيدرالياً غير متماثل أي وضع فيدرالي يتمتع بقدر أكبر من السلطات، وفي الوقت ذاته، يتطلب النظام الفيدرالي الفعال وجود إقليمين فيدراليين على الأقل.

إضافة إلى مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وهذا الأخير ما زال غائباً في العراق، كما يتوجب على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان احترام وتطبيق الدستور وتعديله بالإجماع. وفي حال عدم تحقق ذلك، فلابد من تنظيم العلاقات بين أربيل وبغداد على أساس كونفيدرالي، وإلا فإن العراق سيظل غير مستقر، وسيواصل إقليم كردستان، على الأقل في المدى القريب، ممارسة الكونفيدرالية الفعلية أو وضع الدولة شبه المستقلة ضمن حدوده الحالية، كما كان عليه الحال في مرحلة ما قبل 2003.

اقرأ ايضا:

بارزاني يناقش مع الحكيم والعبادي مستقبل الانتخابات العراقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى