أسامة مهران يكتب: الإعداد والتمهيد والموقف العظيم

لم يكن سابقًا للتجهيز ذلك المؤتمر العالمي الكبير الذي تشهده مدينة شرم الشيخ المصرية يوم غد الاثنين، لأول مرة المقدمات لا تؤدي إلى النتائج، والضرورات لا تبيح المحظورات، ولأول مرة يتحول عراب الدمار إلى رسول للسلام، ورفقاء السلاح إلى أولياء للعهود، ونواب لعبدة الدماء.
إنها القمة العالمية لغزة، قمة وقف النار مثلما تحكي عنها الفضائيات وقاعدة اللاثوابت واللاقواعد واللاضمانات، مهرجان عالمي للمقاومة الفلسطينية، وكرنفال إطاري لحلول بعيدة المنال لكن العرب يعولون عليه كثيرًا.
النجاح كان حليفًا لآخر فرصة، ومراعاة الإنسان لأخيه الإنسان كتبها المرابطون بأحرف من نور وهم ينسلخون من جلودهم ويتسللون في الخفاء والعلن ليتم الإفراج عن ما تيسر من سجناء مقابل كامل الأحياء والموتى المختطفين منذ السابع من أكتوبر 2023.
الصورة المدهشة لعبت دور البطولة في المشهد الأخير من رواية غزة، مجرد ظهور مفاجئ لمصريين يذكرونني برجل المخابرات المصري الفذ عبدالمحسن فايق الملقب بالفريق محسن ممتاز، ذلك الرجل الذي أعد لأخطر زراعة استخباراتية مصرية في إسرائيل خلال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي المعروفة باسم عملية رأفت الهجان، أما الشبيهان وأما الذكريات فقد جاءت بها مواقع التواصل والفضائيات وهي تتحدث عن دور رجل المخابرات المصرية في مفاوضات غزة الأخيرة وهما اللواء حسن رشاد واللواء سامح نبيل. لقد برزا على ساحة مفاوضات غزة الأخيرة وهما يشددان على عدم نزع سلاح حماس، ويؤكدان على ضرورة أن يكون لحماس بل وللفلسطينيين الدور الأعظم في مفاوضات “اليوم التالي” بل وفي إدارة القطاع.
سامح نبيل في معية حسن رشاد يقود المناقشات بأعلى درجة من الحرص على ثوابت القضية الفلسطينية، بل والثوابت المصرية تجاه هذه القضية، رجال لا تلهيهم تجارة ولا لهو عن ذكر الله، هكذا كان الشعار في كامل أيام الأسبوع وليس في يوم الجمعة وحده، إنها صلاة الغائب على شهدائنا في غزة، وعلى أرواح قتلانا في مختلف مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، بل وعلى آلام أمهاتهم الثكلى وأراملهم لدى الرفيق الأعلى، وأطفالهم اليتامى قبل أن يبصروا نور الحياة.
سلام غزة هو سلام الشجعان، سواء حاول ترامب تحفيز فرس الرهان على الهرولة بسرعة البرق، لكي ينقذ ما كان يمكن إنقاذه من “نوبل” قبل أن تذهب بـ”سلام” إلى المعارضة الفنزويلية الصهيونية المعروفة، أم كان ذلك مجرد حافز شخصي، أو حلم يطارد “الزعيم” الأمريكي ليحقق ما كان يصبو إليه قبل أن تنال الشيخوخة منه، أو الرياح الاقتصادية المضادة التي قد تعصف به بعد أن سيطرت الصين على أهم مفاصل الاحتياطات في العالم، بشرائها معظم الإنتاج العالمي من الذهب.
سواء كان الأمر كذلك أو كانت نوبل قد وقعت في أيدي غير أمينة، فإن ترامب قد لعب الدور المشترك الأعظم في تحجيم إجرام نتنياهو، وكبح جماح تطهيره العرقي وتهجيره القسري للأشقاء الفلسطينيين من غزة إلى المجهول، ومن المجهول إلى غزة.
قمة شرم الشيخ سوف يُكتب لها النجاح بعون الله رغم الحادث المؤسف للدبلوماسيين القطريين الثلاثة الذين لقوا مصرعهم وهم في الطريق إلى القمة قبل أن تلتئم بأربعة وعشرين ساعة. البعض يطالب بالتفتيش عن نتنياهو، ربما نجد أصابعه الملوثة بالدماء داخل السيارة المنكوبة، وربما نلمح آثار لجريمة صهيونية جديدة على البعد من أهم مؤتمر دولي للسلام في القرن الحادي والعشرين، رغم أنف نتنياهو المكروه حتى من شعبه والعهدة على خطاب “ويتكوف” الذي ما أن بدأ في تحية نتنياهو أمام شعبه، حتى صرخ الشعب في وجه المبعوث الأمريكي الخاص إلى غزة مشيرين بعلامة التدني وتكييل الشتائم والصراخ في وجه “رسول النوايا الحسنة”.
قمة شرم الشيخ ليست هي آخر المطاف، مهما سمعنا من كلمات رنانة، ومهما شاهدنا من احتفالات وألعاب نارية وأناشيد حماسية، فالسلام الذي كافحت مصر والعرب من أجله قد لا نجده قريب المنال بـ”وهم الدولتين”، وإن كنا على أمل من أن تكون إرادة الحياة التي هي عقيدة وجهاد أكبر وأبقى ألف مرة من إحباطات اللحظة، “فإذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر”، وا أملاه يا مصر .. وا أملاه يا عرب.
اقرأ ايضا:
مهرجان السينما العربية يشكر لبنى عبد العزيز ويقيم متحفًا لعادل إمام في شرم الشيخ