“لله يا محسنين”.. كتاب جديد للمؤرخ عمرو منير عن دار العين صدر حديثا عن دار العين

كتاب “لله يا محسنين.. التسول في قاهرة سلاطين المماليك” للمؤرخ الدكتور عمرو منير
يأتي هذا العمل امتدادًا لمشروع عمرو منير العلمي الذي أعاد من خلاله قراءة نصوص السير الشعبية والمصادر التاريخية بمنهج يجمع بين النقد التاريخي والتحليل السوسيولوجي والسرد الأدبي.
لا يتوقف الكتاب عند حدود رصد ظاهرة التسوّل في القاهرة المملوكية، بل ينفذ إلى عمقها الفلسفي والاجتماعي، ليقدّمها باعتبارها مرآة للمجتمع كله. فاليد الممدودة في الشارع لم تكن مجرد يد فرد معدم، بل كانت علامة على اختلالات اجتماعية وسياسية واقتصادية أعمق: غياب العدالة، انعدام التكافؤ، واستشراء الفوارق بين الطبقات. وهنا يطرح المؤلف سؤالًا وجوديًا لا يفقد راهنيته: هل العيب في السائل… أم في المجتمع الذي أغلق أبوابه أمامه؟
يأخذنا الكتاب إلى قلب القاهرة المملوكية، حيث تتقاطع صور المتسولين في الأسواق والمساجد والشوارع، المحتالون المعروفون بـ «بني ساسان»، الذين تفننوا في اختراع الحيل والتمثيل لاستدرار العطف، أصحاب العاهات الذين بالغوا في جراحهم وأوجاعهم كي يثيروا الشفقة، المجاذيب الذين تحوّلوا إلى أولياء في نظر العامة، وجذبوا حولهم اعتقادًا بالبركة والكرامات، العلماء والفقهاء والتجار المفلسون الذين أُجبرتهم قسوة الزمان على مدّ اليد عند أبواب المساجد.
ومن خلال نصوص المقريزي وابن إياس والسيوطي، ومسرحيات الظل لابن دانيال، يقدّم المؤلف صورة بانورامية متكاملة لعالم لم ينقرض، إذ تعيد مدننا الحديثة إنتاجه بأشكال جديدة.
يؤكد الكتاب أن التسوّل ليس مجرد ممارسة فردية أو انحراف اجتماعي، بل هو لغة رمزية تكشف علاقة السلطة بالمجتمع، والدين بالاقتصاد، والفرد بالجماعة. ولذلك يتحوّل هذا البحث إلى عمل مزدوج: من جهة هو دراسة تاريخية موثقة، ومن جهة أخرى هو تأمل فلسفي في معنى الرحمة والعدالة والكرامة الإنسانية.
المؤلف د. عمرو عبد العزيز منير شغل منصب أستاذ التاريخ والتراث بجامعة أم القرى وحاليا بجامعة جنوب الوادي، وزميل مركز أبحاث غوتا (جامعة إرفورت – ألمانيا). وهو أحد أبرز دارسي العصور الوسطى والتراث الشعبي. وقد صدر له عدد من الكتب والدراسات الرائدة في هذا الحقل، منها: سيرة الحاكم بأمر الله، سيرة دلال وكمال، والقاهرة المملوكية في بابات ابن دانيال. كما شارك في تحقيق مخطوطات نادرة، ونال زمالات بحثية مرموقة مثل زمالة مؤسسة غيردا هنكل.