منه الله محمد حامد تكتب: “ضبط الفتوى في البيئة الرقمية.. المعايير الأخلاقية بين الإنسان والخوارزمية”

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح المجال الإفتائي أحد الميادين التي لامسها الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، حيث ظهرت تطبيقات ومنصات قادرة على تقديم إجابات فقهية آنية باستخدام تقنيات متطورة تعتمد على تحليل النصوص وقواعد البيانات. ومع هذا التطور، تبرز الحاجة إلى الوقوف عند ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، من أجل صيانة المقاصد الشرعية، وحماية قدسية هذا المجال الحيوي.

فالفتوى ليست مجرد إجابة تلقائية عن سؤال شرعي، بل هي عملية اجتهادية دقيقة، تقوم على فقه النص والسياق، وتتطلب فهمًا عميقًا للواقع وأحوال الناس. وهنا، يُطرح التساؤل حول مدى قدرة الخوارزميات، رغم تطورها، على استيعاب هذا التعقيد الإنساني والفقهي، خاصة إذا ما تم تقديم الفتوى عبر الذكاء الاصطناعي دون إشراف بشري مؤهل.

إن المفتي يمتلك ما لا تملكه الآلة، من حسّ أخلاقي، وبصيرة شرعية، ووعي بالمقاصد، وقدرة على مراعاة الظروف الشخصية والاجتماعية للسائل. أما الذكاء الاصطناعي، فرغم دقته في تحليل المعطيات، يظل يفتقر إلى البُعد القيمي والإنساني، مما يفرض ضرورة وجود معايير تضبط استخدامه في مجال يتصل بأحكام الدين ومصائر الناس.

ومن أبرز هذه المعايير: التحقق من صحة المحتوى الفقهي المعتمد في بناء النماذج الذكية، وضرورة إشراف العلماء المختصين على صياغة الإجابات وتدقيقها، فضلًا عن الشفافية في عرض النتائج، وتوضيح أن ما تقدمه التقنية ليس فتوى نهائية بل توجيه أولي يحتاج إلى مراجعة بشرية.

كما ينبغي أن تُراعى في هذه البيئة الرقمية كرامة السائل، وألا يُستخدم الذكاء الاصطناعي في إصدار أحكام قاسية أو متسرعة، قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية أو اجتماعية. وعلى الجهات المطورة والمشغّلة لهذه الأدوات أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والشرعية، من خلال الالتزام بالضوابط المعرفية والسلوكية المطلوبة.

ومن المهم التنبيه إلى أن الفتوى ليست منتجًا رقميًا يُستهلك بسرعة، بل هي أمانة عظيمة تتطلب علمًا، وعدلًا، وورعًا. وإذا كان الذكاء الاصطناعي قد ساهم في تسهيل الوصول إلى المعلومة، فإن ذلك لا يعني استغناءنا عن المفتي العارف، الذي يُوازن بين حفظ النص، ومراعاة الحال، وتحقيق المقصد.

وفي الختام، يمكن القول إن استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإفتائي يمثل فرصة وتحديًا في آنٍ واحد. فبينما يفتح آفاقًا جديدة لتيسير الوصول إلى المعرفة، فإنه يتطلب وعيًا عميقًا، وضوابط أخلاقية، تضمن أن تظل الفتوى في موضعها الصحيح، مستندة إلى علم نافع، وحكمة راشدة، ومقاصد شرعية تحفظ للناس دينهم ودنياهم.

يُعقد المؤتمر الدولي العاشر للإفتاء يومَي 12 و13 أغسطس تحت عنوان «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي». يناقش المؤتمر خلال فعالياته مجموعة من القضايا المهمة التي ترتبط بتطوير صناعة الفتوى، خاصة في ظل التقدم الكبير الذي يشهده مجال الذكاء الاصطناعي.

 

 

اقرأ أيضاً..

جدل حول مقال ” كهنوت النقد الأدبي” للكاتب والشاعر أسامة مهران

العافية فى الدنيا مقال جديد للشيخ أشرف محسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى