الناقد أحمد فرحات يكتب: صراط الأحلام وحلم المناهج الدراسة

الناقد أحمد فرحات

أخبروهَا: أنَّ الجنَّة هناكَ في الأعلى! حيثُ الخُضرة، والجمال، والحياة الخالدة.

الهواء المُلوَّث يملأُ هذا الكوكب. بقدميها النَّحيلتَيْن تسيرُ فوقَ شوْكٍ يُدمي قلبها، تلحَقُ ظِلَّه في غابةٍ مُظلمةٍ، أشجارُها ذاتُ أغصانٍ شائكةٍ، لا تُثْمِرُ غير بُذورٍ فاسدةٍ.

أثناء سيرِهَا لا تسمعُ غير أصواتِ الحُزن، مع خَشْخَشَة ذكرياتِها الحزينة، التي اِسْتحالتْ وَرَقًا يابسًا تَدوسُ عليه.

شعرُها الأسودُ مُنسَدِلٌ على ظهرها. خُصلاته تنسابُ على جبينها، وهي تتراقصُ بهدوء على موسيقى أنفاسِه الخفيفةِ، مُحلِّقةٍ فوق روائع بساتينِ الأحلام. تتسارعُ الخُطى، تضطربُ، تفقِدُ إيقاعَهَا المُنتظم، تتعبُ من مُقاومة الغدر الذي يلهثُ وراءها.

تلفحُ روحَهَا ريحٌ حارقةٌ؛ تُشوِّه جمالهَا. لعنةٌ تريد إبقاءَها في تلك الغابةِ وحيدةً، حتَّى تُهاجمَها، وتَعُضَّها ذئابٌ مسعورةٌ بأنياب الشرِّ؛ تتبخر سرابًا في المساء تمدُّ نجمةٌ نورَهَا. ترسمُ طريق النَّجاة لفتاةٍ عاشَت مُشرَّدةً في أحضان الشَّوارع.

ينبغي أن نقرر منذ البدء أن النقد عملية تواصلية بين الناقد ونصوص المنقود، فإذا قرأ الناقد أكثر من عمل من نتاج المبدع فإن ذلك أدعى إلى تحقيق المثالية للنصوص المدروسة، فالعلاقة بين الناقد والنص علاقة تفاعلية، وأنه كلما زادت قراءة الناقد لأكثر من نص للمبدع نفسه بات اتجاهه واضحا جليا واستطاع إطلاق أحكام أقرب إلى اليقين.

وأزعم أني قرأت للقاصة سعاد عسيري أكثر من نص، وفي كل نص تبدو لنا القاصة مرتدية ثوبا جديدا، فلا نص يشابه آخر، من حيث بنيته أو موضوعه، فهي لا تكرر نفسها بل تسعى في كل نص إلى تقديم شيء جديد، يختلف عن سابقه ولاحقه. نتيجة تراكم التجارب واكتساب مقدرة فائقة تدهش القارئ وتخلبه.

القصة القصيرة جدا عند سعادعسيري بناء متقن يقوم على المفارقة والاقتضاب، وإرباك المتلقي، وطرح قضايا اجتماعية مثيرة كالطفلة التي تعيش الآلام والفقر وتعاني شظف العيش وتقبل على الحياة راضية مبتسمة؛ لأن الناس أخبروها أن النعيم المقيم في الجنة، وليس في الأرض غير الشقاء. وكأنها تشير إلى الدور المجتمعي للنهوض بأطفال الشوارع، وهي ظاهرة تدل على وعي معرفي بقضايا الأوطان الاجتماعية.

وهي في سبيل عرض القصة تحاول إرباك المتلقي وإدهاشه بأسلوب قائم على المجاز والاستعارات” بقدميها النَّحيلتَيْن تسيرُ فوقَ شوْكٍ يُدمي قلبها، تلحَقُ ظِلَّه في غابةٍ مُظلمةٍ، أشجارُها ذاتُ أغصانٍ شائكةٍ، لا تُثْمِرُ غير بُذورٍ فاسدةٍ.“وهي صورة قاتمة لحياة طفل الشارع. صورة سوداوية نابعة من أثر الإهمال وعدم الرعاية، وتغييب دور المجتمع في الحفاظ على ثوابته الراسخة، بل إنها تلقي باللوم على من أخبروهَا: أنَّ الجنَّة هناكَ في الأعلى! حيثُ الخُضرة، والجمال، والحياة الخالدة.” وهنا تحدث الصدمة الغاضبة، والإرباك المشار إليه آنفا.

فالقاصة أبدت في قصتها دفئا للمشاعر الحميمة بينها وبين شخصيات قلقة كأطفال الشوارع، وقدمتها نموذجا في الجمال، مع حضور التنوع الجمالي في الأسلوب “ شعرُها الأسودُ مُنسَدِلٌ على ظهرها. خُصلاته تنسابُ على جبينها، وهي تتراقصُ بهدوء على موسيقى أنفاسِه الخفيفةِ، مُحلِّقةٍ فوق روائع بساتينِ الأحلام. تتسارعُ الخُطى، تضطربُ، تفقِدُ إيقاعَهَا المُنتظم، تتعبُ من مُقاومة الغدر الذي يلهثُ وراءها.

واستنادا إلى ما سبق فإنني أرشح قصص سعاد عسيري للدراسة في مناهج التعليم العام؛ فهي قصص تربوية تساهم في تقويم العادات السيئة للمجتمع الذي يرغب في النهوض بأبنائه.

بقلم الناقد أحمد فرحات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى