الناقد أحمد فرحات يكتب: مقامات الراشدي

تجاوز الراشدي في مقاماته نمطية الشكل والمضمون في المقامة التقليدية القديمة، أو حتى المعاصرة له، فقد أدخل عليها بعض المصطلحات العصرية المستحدثة من عالم الفيسبوك، أو تويتر، ككلمة منشن، شات، الوجوه التعبيرية،الشات … إلخ.
أي أنه تجاوز اللغة الخشنة المتوارثة في المقامة، وأعرب عن لغة عصرية تيسر له عملية التلقي لدى قطاع عريض من الجمهور. وهو بهذا يرسي ملامح فن جديد غير منقطع الصلة بالتراث ويحمله مضامين فكرية معاصرة تثري الذائقة العربية ذات الانتشار الأوسع.
تميزت مقامات محمد الراشدي باقترانها بالمنامات على غرار منامات الوهراني ومقاماته ورسائله، للشيخ ركن الدين محمد بن محمد بن محرز الوهراني (ت:1575م)، أو كتاب المنامات للحافظ بن أبي الدنيا، وقراءة منامات الوهراني، ورسائله ومقاماته، وكذا منامات ابن أبي الدنيا فتحت للقارئين آفاقا واسعة لتمثلها، والسير على هديها، وخاصة فيما يتعلق بعالم الرؤيا والأحلام والمنامات وتأويلاتها.
والمنامات جمع كلمة مَنام، وهي “إرث بشري عريق، وحاضر ممتد بحضور الإنسان، تكتنهه أسرار غيبية بانكشافها ريؤيويا للإنسان كان يتسع لدرجة بشرية عليا”.
نموذج لمقامات الراشدي: (من حديث الدرداش بن شات)
حدث الدرداش بن شات قال: دخلت يوما على الضحاك بن ضروس في مجلسه، وهو عاكف على محادثة في المسنجر، ومن حوله تلاميذ له ينتظرون فراغه، وكان لي عنده حظوة؛ فدنوت منه وقبلت رأسه ثم قلت:
– يا أبا غزل: ما تقول في(ههههههه)؟
قال الضحاك: وما(ههههههه)؟!
قلت: يا أبا غزل إن الرجل منا يكون عاكفا على الدردشة ثم تعرض له الضحكة فما يحسن أن يفصح عنها إلا أن يكتب(هههههههه)
فأطرق الضحاك مليا .. ثم رفع رأسه وقال:
– فيه تفصيل .. فإما أن يكون محادثك رجلا أو امرأة؛ فإن كان رجلا فإنه لا يخلو أن يكون من العلية أو من السوقة؛ فإن كان من السوقة فلا يحسن بك أن تضاحكه بـ (ههههههه)، وأرى أن العدول إلى(كخخخخخ) هو أليق به وأحسن،وإن كان محادثك من العلية فاضحك معه مقتصدا، وليكن عامة ضحكك معه(هههههه)، ولا تزد في مجموع الهاءات عن أربع، ولتكن ضحكاتك بين الثنتين إلى الثلاث على الأكثر.
فإن كنت تحادث امرأة وكانت من عامة الأصدقاء فلا فرق بأي الألفاظ كنت تضاحكها ، إلا أن يكون قد وقر في قلبك لها حب وآنست منك ميلا، فإياك و(هههههه) فإنها تهبط بمقامك عندها وتسفل بقدرك حتى ما يرجى لك بعده العلو.
ثم دنا الضحاك مني وقال: ألا أخبرك بلطيفة في هذا الباب؟قلت متلهفا: بلى يا أبا غزل.
قال: إن للنساء ولعا بالوجوه التعبيرية، ولها في أنفسهن وقع؛ فانتخب منها لضحكاتك وأحسن في انتخابك فإنها ما تلبث أن تنقاد لك وتعلقك حتى لا ترى لك في الظرف مثيلا!
قال: ثم قطب الضحاك حاجبيه وقال: فإذا كتبت لإحداهن(هههههه) فلا تعجل بإرسالها حتى تتأكد من سبك الحروف واتصالها ببعضها؛ فإنك إن كتبتها مفرقة لم تأمن سوء الظن، ولبعض النساء في ذلك من قبح الطوية ما يعدل بالكلام عن مراده وينحرف به إلى مالا يحسن ذكره .. والله المستعان!.
أما عن تلقي مقامات الراشدي فقد تلقاها النقاد بحفاوة بالغة ليس من منظور قيمتها الفنية أو تناولها النقدي بل من منظور الروح الفكهة التي تميزت بها، وتوافر عناصر السخرية التي سرت بين جنباتها.
فقال عنها د. عبد الله الغذامي في مقدمته لها:” فقد وقعتُ في مخاتلة نصوصية في مداهمات متصلة بين ضحك لم أسيطر على نفسي معه، وبجانبه غضب من بعض العبارات، واختلطت علي المتعة الوجدانية التلقائية مع الغضب المتعلقن ضد الترميزات والإحالات التي سيقول الناقد من داخلي إنها نسقية تختال لنفسها عبر قناع النكتة واللفظة المجازية”.
اقرأ أيضاً..
مجلس إدارة مهرجان أوسكار المبدعين العرب يعلن التشكيل النهائي لقوائم لجان التحكيم للموسم الثالث
فور رحيله .. “وليمة حيدر حيدر ” على موائد المؤرخين والنقاد