الناقد أحمد فرحات يكتب: كتابة ساخرة

بقلم الناقد أحمد فرحات
لمحمد الراشدي مقطوعات نثرية غنية بالشغف والسخرية على نمط كتابة جديدة طريفة تثير فضول القارئ وشد انتباهه. فيقول:
وصحبت الأكاديميين ثلاثا؛ فمذ فارقتهم ولا تكاد تتم لي جملة أنطقها دون أن أحشر فيها “أقصد الجملة” بسبب وبغير سبب؛ ألفاظا مثل : ” قلق الهوية” ، و” أزمة المصطلح” و “سؤال المنهج ” و ” إشكالية التجنيس” !!.
وصرت مولعا بابتكار صيغ من القول تشبه عناوين اﻷصدقاء الأكاديميين نحو ” تمتين الهامش وتهميش المتن ” أو” شعرنة السرد وسردنة الشعر “. والسردنة هنا على وزن ” قردنة ” وأفكر جديا أن أنجز بحثا في ” جماليات القردنة” يكون عنوانه ” قردنة الجميل وتجميل المقرود”
وتمادى بي الحال حتى أنني نزلت البارحة ضيفا عند أحد اﻷقارب في الرياض، وعثرت بعتبة بابه عثرة شنيعة، فكان هو يسمي الله، وكنت أردد في نفسي “خطاب العتبات “.
ووقفت صباح اليوم ببائع كبدة يخلط بالكبدة أخلاطا من كل شيء؛ فلما استشارني أن يمزج بالكبدة جبنا زجرته ونهيته عن ذلك تورعا أن أكون بذلك مخالفا لميثاق إعداد الكبدة كما عند “فيليب لوجون” ؛ فنقع بذلك في “فوضى المصطلح ” و” سقوط التخوم ” بين ساندوتش “جبنتين ” و كبدة القريات !
ومن صحب النقاد عامة والأكاديميين منهم على وجه الخصوص؛ عرف أن أزمات الدنيا تنبع من عندهم وتؤول إليهم ، وكل شيء عندهم مشروع أزمة؛ وخذ مثلا من عناوينهم : أزمة المصطلح ، أزمة الهوية ، أزمة السؤال ، أزمة الجنس ” الجنس اﻷدبي طبعا ” . وكلهم بين مأزوم ومأزومة .ولو أني رزقت صلاحا وقيام ليل لجعلت لهم في قنوتي نصيبا وقلت في الدعاء لهم : اللهم فك أزماتهم وأزماتهن! .
فلما علت بنا طائرة الإياب ظننت أني فارقت لوثة أيامي الماضية؛ حتى رأيت سربا من المضيفات اﻵسيويات يخطرن بين مقاعدنا كالظباء متامثلاث في كل شيء فقلت : هذا أجمل ” التناص”، وجعلت أغالب النفس في النظر إلى تثنيهن وما يظهر مما يخفين، وأتذكر قول القائلة :
اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أحله.
ولحظتها فقط عرفت مراد اللئيم “كمال أبو ديب”من عنوانه الشهير”جدلية الخفاء والتجلي!!.
وللراشدي أيضا مقطوعة نثرية شيقة للغاية فيقول:
ثنتان لا تجتمعان في امرأة : جمال الوجه ، والبراعة في النقد !
وأيما جميلة أظهرت في النقد براعة فاتهم أمانتها ، واعلم يقينا أن الناقد سواها وإنما هي ناقلة ، ويقع ذلك كثيرا عند خراف النقاد ، وجرى تبيينه في باب ( الحرفنة في تبيان مصائد النساء والخرفنة ) من كتاب ( نكز ) وعلة أن الجمال والنقد لا يجتمعان في ذات ثديين، أن النقد مسلكه وعر ، لا تستطيعه الجميلات مع ما يعرف فيهن من رقة الطبع وفرط النعومة وإيثار الدعة ووفرة الغنج ، ولذلك يحدن عنه ، ويتشاغلن بما دونه من سرد القصص ، ونظم اﻷشعار ، وما شاكل ذلك .
وأنضج نقد النساء تكتبه أقبحهن وجها ، وإن المرء لينظر إليهن في بعض اجتماعاتهن فيتذكر بهن ( وإذا الوحوش حشرت) !
والشواعر أجمل أهل اﻷدب من النساء ، لولا ما يكون في أجسادهن من سمنة ظاهرة ، هي مصداق قول اﻷول : ( المعنى في بطن الشاعر ) ، إلا أن المعاني عند الشواعر تتمطى في سائر أجسادهن ، ولا تدع موضعا ، فإذا أبصرت منهن مقبلة أو مدبرة قلت متعجبا : كيف لهذا الخرتيت أن يكتب بيتا أو شطر بيت ؟!!.
وإبداع الشاعرة على قدر سمنها ، وعجاف الشواعر يكتبن ( قصيدة النثر ) ، أما سمانهن فيستمسكن بالوزن حتى يفرط بهن الوزن ، ويتشبثن بالقافية ، والعروض الوافية ، ويأخذهن بما ينظمن العجب ، فإذا خطت إحداهن بيتين قالت : ( قصيدتي الشافية الكافية ) ، ويستترن خلف غريب اﻷسماء، فأكثرهن (كبرياء الجرح) و(القمر راكبة الهمر)،وإن كانت حقيقتها(الحافية) !