الناقد أحمد فرحات
تنطلق اليمنية فكرية شجرة من خلال علاقة معقدة تجمع بين البطل وحيد الأمير وعفراء، في أحد مشاهد الرواية تلخص حوارية بين وحيد وعفراء القضية برمتها،
قالت: متى نلتقي؟ قال: بعد عام وحرب.
قالت: متى تنتهي الحرب؟ قال: عندما نلتقي.
الحرب لا تنتهي يا درويش؛ أربعة أعوام والحرب لا تنتهي، أكلت كل شيء حتى قلبي الأخضر. عادت الخيارات الصعبة تطرق عقلك يا وحيد؛ لم يعد الاختيار بين أن تذهب إلى عدن أم إلى مأرب؛ صار الاختيار أن تبقى في وطن يغرق أو تتركه وترحل كما يفعل الكثيرون أمثالك؛ كعادتك تختار الأصعب..
ألن نلتقي يا عفراء؟ لو أننا نلتقي ستنتهي الحرب..ص 298. .
تلخص هذه الفقرة الرواية برمتها، ما بين عرض لمآسي وطن هو كل شيء عند أبنائه، وبين حب هو الحياة لوحيد وعفراء، وبينهما تتردد أحداث الرواية صعودا وهبوطا حول توثيق أحداث اليمن المتصاعدة منذ بداية الربيع العربي حتى الآن، وهي أحداث درامية مبكية موجعة ملتهبة عانى منها أبناء اليمن معاناة شديدة ما بين قتل وفساد وهلاك ودمار بشتى أنواعه وضروبه. صورت الروائية فكرية شحرة مأساة حقيقية لمن لم يطالع أخبار اليمن في ذروة أحداثه بغية تسجيل انشقاق المجتمع اليمني حول ما يسمى بالميلشيا وبين النظام الحاكم، وقد أجادت الروائية في تصوير ما لم تستطع الكاميرا تسجيله صورت صورا قاسية لأي مجتمع يمكن أن يتعرض له فينقله إلى كومة من خراب ودمار.
من المآسي المبكية حقا مقدرة الروائية فكرية شحرة في الرواية مسألة جهاد الصغار واغتصابهم إرضاء للجنود، فتجعلك تقرأة بشغف أحداثا مؤسفة فتقص حكايات: عن اغتصاب للمجاهدين صغار السن في ثكنات الجهاد من قبل المجندين فيما بينهم، إنهم يستفيدون من أجسادنا لمتعتهم ودروع لمتاريسهم وأخيرا أرقاما لضحاياهم ، مازلت أذكر ذلك الولد من قرية قريبة منا حين فضل أن يموت في المعركة مختارا على أن يعود بعار اغتصابه من قبل وحش بشري يدعى الجهاد في سبيل الوطن.. يتعاطون المخدر والسحر ليتحولوا إلى وحوش تقتل وتنتهك الأضعف.. ص 188.
صورة أخرى مخزية ومؤسفة تعبر عن انحلال المجتمع كأثر من آثار الحرب والفوضى والخراب والفساد ،
صرخت بصوت هادر وقد فقدت كل هدوئي المصطنع والحقيقي: ما الذي يجعلك تفعلين هكذا يا هذه؟ هل البلد ينقصها أمثالك ؟ تبدين سيدة محترمة فلماذا هذه الطريق الملعونة؟ بصقت قطعة اللبان من فمها وهي تقول بصوت عنيف: إنه الجوع .. الجوع الذي لا يعرفه أصحاب ربطات العنق مثلك، لدي أسرة أعيلها وينتظرون مني مالا وطعاما كل يوم..ص 69.
هكذا أرجعت الروائية شحرة مسألة التكسب بالجسد إلى ما يخلفه الدمار وأصداء الفوضى الشاملة التي عمت المدن، تما كما فعل نجيب محفوظ في رواية بداية ونهاية الواقع أحداثها في مصر.
ناهيك عما صورته الروائية لمعاناة المواطنين الآمنين في السجون والمستشفيات وغيرها إنها صور مؤلمة للغاية عما ينتج من أثر الحرب فقد وثقت بقلمها معاناة المرضى في المشافي وكيف داهمت المليشيا المستشفيات وسحبت الجرحى من على أسرتهم إلى أماكن مجهولة دون رحمة أو شفقة.
ومع ذلك فقد قدمت الروائية أنماطا مختلفة من شخصيات وطنية، محبة للسلام واستقرار الوطن، رجالا ونساء، أحمد النويري شخصية قوية محبة للوطن داعية إلى السلام والاستقرار، عفراء، وسميرة، وزينب، وماهر، وحاتم وغيرهم من الشخصيات الوطنية المخلصة للوطن والمحبة للتضحية والداعية إلى السلام بين أفراد الشعب. على عكس شخصية قايد، التي جاءت من رحم المعاناة للتاجر بشباب البلد لصالح جماعة “أنصار الله” . تأمل هذا الحوار بين الصبي البريء، وقايد القواد ..
حاتم هل تسمعني يا ولد؟ قلت لك هل تحتاج مالا؟
لا يا لاعم قايد .. نحتاج مقعدا متحركا لأبي لو تعرف أحد المحسنين يعطيه لنا كي يساعدني أبي في العمل. ابتسم قايد بوداعة
ومن هنا ينشأ صراع من نوع آخر، صراع بين الشخصيات المحبة للوطن وشخصيات شريرة تلقي بشباب اليمن في أتون النار.
تقدم فكرية شحرة صورة بصرية لمجتمع عربي آمن ومستقر على لسان البطل وحيد، صورة مجتمع متماسك تظهر فيه النساء بفطرتهن وبراءتهن والرجال والصبيان بسخاء المعدمين. صورة في مقابل صورة للمرأة الغانية التي تتكسب بجسدها، لعل القارئ يظفر بمشهد بصري من خلال الوصف ينم عن مجتمع عربي له عزته وشموخه وتعاونه.
الناقد أحمد فرحات