المحكمة الدستورية وقانون الإيجار القديم..تفاصيل

كتبت: سمر عبد الرؤوف 

المحكمة الدستورية وقانون الإيجار القديم، لطالما كان قانون الإيجار القديم في مصر، وما زال، نقطة محورية للجدل والنقاش المجتمعي والقانوني، و يمثل هذا القانون، الذي يعود تاريخه إلى حقب سابقة، إشكالية معقدة تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وتتجسد فيها بوضوح مهمة المحكمة الدستورية العليا في تحقيق التوازن بين الحقوق والمصالح المتعارضة.

المحكمة الدستورية وقانون الإيجار القديم

نشأ قانون الإيجار القديم في سياقات تاريخية واجتماعية مختلفة، كان الهدف الأساسي منه حماية المستأجرين وتوفير الاستقرار السكني في ظل ظروف اقتصادية معينة، وقد تميز هذا القانون بتحديد قيم إيجارية رمزية للغاية، وتمديد عقود الإيجار بشكل شبه أبدي، مما أفرز واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا معقدًا.

الإشكاليات القانونية والاجتماعية

مع مرور الزمن، تحولت الإيجابيات المفترضة لهذا القانون إلى سلبيات وتحديات كبيرة، وأصبح الملاك يتضررون بشكل فادح من عدم قدرتهم على التصرف في ممتلكاتهم أو الاستفادة منها بما يتناسب مع قيمتها السوقية، في المقابل، استمر المستأجرون في الانتفاع بأسعار إيجارية لا تعكس الواقع الاقتصادي، مما خلق نوعًا من عدم التوازن والعدالة، كما أثر القانون سلبًا على سوق العقارات، مثبطًا الاستثمار في هذا القطاع.

دور المحكمة الدستورية العليا في قانون الإيجار القديم

في هذا السياق المعقد، يبرز دور المحكمة الدستورية العليا كحامية للدستور والمبادئ القانونية العليا، وتُعنى المحكمة الدستورية بمراجعة القوانين والتشريعات للتأكد من دستوريتها، أي مدى توافقها مع أحكام الدستور ومبادئه، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات.

وقد اضطلعت المحكمة الدستورية العليا بدور محوري في معالجة إشكاليات قانون الإيجار القديم من خلال العديد من الأحكام القضائية، لم تكن هذه الأحكام سهلة، فقد تطلبت موازنة دقيقة بين عدة مبادئ دستورية، منها:

– مبدأ الملكية الخاصة: الدستور يكفل حق الملكية الخاصة ويحميها، ويجب ألا يتم المساس بها إلا وفقًا للقانون وللمصلحة العامة وبمقابل عادل.

– مبدأ العدالة الاجتماعية: يهدف الدستور إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.

– مبدأ حرية التعاقد: الدستور يحمي حرية الأفراد في إبرام العقود وفقًا لإرادتهم الحرة.

أبرز أحكام المحكمة الدستورية

على مدار سنوات، أصدرت المحكمة الدستورية العليا العديد من الأحكام التي تناولت جوانب مختلفة من قانون الإيجار القديم، وقد اتسمت هذه الأحكام بالتدرج والتوازن، حيث سعت المحكمة إلى تصحيح المسار القانوني دون إحداث صدمة اجتماعية أو اقتصادية كبيرة، على سبيل المثال، أصدرت المحكمة أحكامًا بعدم دستورية بعض المواد التي تمنع المالك من استرداد العين المؤجرة في حالات معينة، أو التي تمدد عقود الإيجار تلقائيًا ودون قيد، كما تناولت المحكمة مسألة توريث عقود الإيجار وأثرها على حق الملكية.

التعديلات الجديدة على قانون الإيجار القديم

يعد قانون الإيجار القديم في مصر، والمعروف بالقانون رقم 49 لسنة 1977، من أكثر القوانين التي أثارت جدلاً واسعاً على مدار عقود طويلة، فبينما كان يهدف في الأساس إلى حماية المستأجرين وتوفير السكن بأسعار رمزية في فترة زمنية معينة، إلا أنه مع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أصبح يمثل عبئاً كبيراً على الملاك، ويساهم في تجميد جزء كبير من الثروة العقارية، فضلاً عن كونه سبباً في العديد من النزاعات القضائية.

ولمواجهة هذا الوضع، شهدت السنوات الأخيرة تحركات جادة نحو إدخال تعديلات على هذا القانون، تهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، وإنهاء حالة الجمود التي فرضتها أحكامه، وقد توجت هذه الجهود بصدور تعديلات مهمة، لعل أبرزها تلك التي تخص “الأشخاص الاعتبارية” (الجهات الحكومية، الشركات، السفارات، المؤسسات، إلخ).

أبرز ملامح التعديلات الجديدة على قانون الإيجار القديم

جاء القانون رقم 10 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون إيجار الأماكن الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1977، والقانون رقم 136 لسنة 1981، وبعض أحكام القانون رقم 6 لسنة 1997 بشأن تعديل أحكام القانون رقم 49 لسنة 1977، والخاص بتحديد الأجرة وتعديل بعض أحكام قوانين الإيجار. وقد نصت هذه التعديلات بشكل أساسي على ما يلي:

– إنهاء العلاقة الإيجارية للأشخاص الاعتبارية: تعد هذه النقطة هي الأبرز والأكثر تأثيراً، حيث نصت التعديلات على انتهاء عقود الإيجار الخاصة بالأشخاص الاعتبارية (غير السكنية) بانتهاء مدة معينة، وهذا يعني أن الجهات المستأجرة بموجب القانون القديم لم تعد تستفيد من الامتداد التلقائي للعقود إلى الأبد.

– فترة سماح ومواعيد نهائية: تضمنت التعديلات فترة انتقالية محددة تمتد لخمس سنوات من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية (أي حتى مارس 2027)، تلتزم خلالها هذه الجهات بتوفيق أوضاعها وإخلاء العين المؤجرة. وبعد انتهاء هذه الفترة، يصبح للمالك الحق في استرداد العين المؤجرة.

– زيادة تدريجية في القيمة الإيجارية: خلال الفترة الانتقالية، يتم تطبيق زيادة تدريجية في القيمة الإيجارية بنسبة معينة (غالبًا ما تكون 15% سنوياً) من قيمة آخر أجرة مستحقة قبل العمل بالقانون الجديد. يهدف ذلك إلى التخفيف من العبء المالي على المستأجرين خلال فترة التكيّف، وفي الوقت نفسه تحقيق بعض العدالة للملاك.

– اللجوء إلى القضاء: في حالة عدم التزام المستأجر (الشخص الاعتباري) بالإخلاء بعد انتهاء الفترة الانتقالية، يمكن للمالك اللجوء إلى القضاء لطلب طرد المستأجر، ويتم تنفيذ الحكم وفقاً للإجراءات القانونية.

 

 

 

اقرأ أيضاً..

موعد حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة لمحدودي الدخل.. تفاصيل

ضمن مبادرة وزارة الثقافة “مصر تتحدث عن نفسها”.. قطاع المسرح يطلق النسخة الثامنة لمسابقة “أنا المصرى” للأغنية الوطنية للشباب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى