هبة عبد الوهاب تكتب: نصرة القضية بين الفوضىٰ والوعي

صدقا: إن التحرك الشعبي لنصرة غزة واجب قومي ولكن الحكمة والوعي هما ما يصنعان الفرق. فإذا كان البعض يتجه للحدود بنيّة الدعم، فإن الأجدى أن تقود مصر معركة التضامن الواعي، لا من خلال شعارات عابرة، بل بخطوات مسؤولة تحفظ دورها المحوري، ومكانتها في مواجهة الظلم.
إذن نحتاج قراءة واقعية للمشهد ودعوة لتحرك مصري حكيم!
نجدا أن هذا التساؤل يفرض نفسه كثيرا هذه الفترة الحرجة على جميع مواقع السوشيال ميديا:- هل المسيرات الداعمة المتوجهة إلى مصر لنصرة غزة تعد إرادة شعبية أم تنظيم موجه؟
مع تصاعد الأحداث المأساوية في غزة واستمرار الحصار الخانق الذي يفتك بالأبرياء يومًا بعد يوم، ظهرت مؤخرا في الأفق مبادرات ومسيرات شعبية تتجه نحو الحدود المصرية، في محاولة لكسر الحصار الغاشم وإيصال صوت الغضب العربي إلى العالم. لكن هذه التحركات تثير تساؤلات مشروعة لدى المواطن المصري أهمها:
هل هذه المسيرات شعبية حقيقية أم موجّهة؟ وهل من الحكمة أن ينضم إليها شعب مصر؟ أم أن الوقت قد حان لتحرك وطني خاص بنا؟
أغلب ظني أن المشهد ليس بسيطًا. فبينما تتخذ هذه المسيرات طابعًا شعبيًا عاطفيًا وإنسانيًا، إلا أنها لا تخلو من التنظيم والدفع من جهات بعينها، قد تكون:
منظمات حقوقية عربية ودولية. أو حركات سياسية تدعم القضية الفلسطينية. ربما هي فصائل محسوبة على أطراف من الداخل الفلسطيني أو الإقليمي.. الخ.. وغالبًا هناك تنسيق لوجستي وإعلامي لا يمكن أن ينشأ من تلقاء نفسه، خصوصًا مع التعقيدات الحدودية والسيادة للدول.
يقينا أن المصريين يحملون في قلوبهم محبة خالصة لغزة، وشعبها الأبي وأن دعم القضية الفلسطينية ليس مجرد شعور، بل هو جزء من الهوية القومية والدينية والإنسانية.
أما من الزاوية الأمنية والسياسية، يجب الأخذ في الاعتبار تأمين الحدود، وهى مسؤولية سيادية عليا، وأي تحرك شعبي غير منظم قد يفتح ثغرات يستغلها أعداء الداخل والخارج.
لن تأخذنا الرعونة وننكر أن استقرار مصر في هذه المرحلة الحرجة لا يقل أهمية عن دعم غزة. فالفوضى لا تخدم أحدًا سوى الاحتلال.
كما إن التحركات العابرة للحدود قد تستخدم لتوريط مصر في صراعات ميدانية أو إعلامية لا تخدم دورها الوسيط المحوري في القضية. فالحكمة تقتضي الدعم لا التورط، والتضامن دون فوضى.
ربما يكون البديل الحكيم: هو تحرك وطني مصري داخلي، حيث يمكن للشعب المصري أن يُعلن دعمه القوي لغزة من خلال، تنظيم مسيرات داخلية ضخمة وسلمية باتجاه غزة، وتقديم المعونات ولن نتجاهل تفعيل دور الشعب لممارسة الضغط على المؤسسات الرسمية لتقديم المساعدات الدبلوماسية الفعالة.
وهناك أشكال كثيرة يمكن أن نُعبّر بها عن موقفنا الصلب في مساندة القضية ولكنه موقف واع، دون الإضرار بالأمن الوطني أو الدخول في مسارات مجهولة. ربما فقط نحتاج أن تستمع الدولة لمطالب الشعب بالتضامن مع الحركة العالمية لمساندة القضية في ضوء خطة دولية محكمة تضمن استقرار وحفظ الأمن المصري دون الهرب.. لأن دور مصر حقيقي وصادق ومؤثر في نصرة القضية وأهلها في أرض غزة الصامدة.
أرجو أن يحدث هذا قبل فوات الأوان؛ فالعالم يغلي بسبب هذا الحصار الظالم لأبناء العزة في أرض الصمود، وتلك الإبادة المشينة التي تتبعها السياسة الغاشمة للمحتل على مرأي ومسمع من العالم بمنتهى التوّحش والفجاجة.
اقرأ أيضاً..
الناقد أحمد فرحات يكتب: غفوة.. فاطمة الدوسري
شيرين هنائي: “الموت يوم آخر” رواية كتبتها ولم يقرأها إلا أحمد خالد توفيق