الناقد أحمد فرحات يكتب: غفوة.. فاطمة الدوسري

بعد أن خذلني في منتصف الطريق، سكبت ذاتي داخل ذاتي مرة أخرى، كان كل شيء في حياتي، يسكنني، أتلبسه، كان الهواء الذي اتنفس حتى ابتسامتي كانت من أجله فقط، تحملت قسوة الحمل والإنجاب والعمليات لأنه يريد بنا.

جاءته الخامسة، وفي نهاية الطريق يتخلى عني، يتزوج بأخرى ويرحل. بعثريني، وقفت مرات ومرات أمام المرأة أتفقديني، أبحث عن إجابة لسؤال يحفر تفكيري بعنف، يشتد في كل مرة يعود، لماذا تزوج علي؟ اختل توازني، شارفت على السقوط في هاوية الهذيان . قال ابني الأكبر: أمي افتقدناك صحوت على واقع جديد وأخذت أبحث لوحدتي عن ردیف، ولجت مواقع التواصل، غزوها، بدأت أعود إلى مرآتي، ومكحلتي، وابتسامتي.

وفي يوم أغراني إعلان بالاستثمار، بالثراء وأنا في مكاني، لا يتطلب الأمر سوى ضغطة زر، وضغطت . دخلت في متاهة ” علي موسى” والأربعين حرامي، أسهم وذهب وبترول ومحفظة، مفردات لا أجيد التعامل معها ولا أعرفها، الفضول يقوديني، فككت صرار نقودي، سالت، حاولت لملمتها تقت في عالم جديد، وأصوات تأتي من

خارج الحدود تحفزني للاستمرار! تفقدت نفسي، أحببت هذا الضياع، وتلذذت بالمتاهة، وبين نشوة اللون الأخضر والخوف من احمراره، استمرت مغامرتي أربعة أيام فقط! تضاعف فيها المبلغ وأغرابي. لأصبح على فجيعة الخسارة، توقفت، تألمت ولم أنس ألما سبق.

حلقت من جديد، اكتشفت قدرتي على الصبر . بدأت بثا مباشرا لمساعدة التائهات في عالم يعيش صقيع المشاعر، ووجوه ملونة. خف ألمي وأنا أرى من تتألم أكثر! في يوم طرق الباب كان هو عائد إلى مرفأه الذي هجره منذ سنين، يحمل ندوبه، يريد المرأة التي ترتمي تحت قدميه، كنت أتعافي وأحلق خلف أحلامي، استقبلته ابتسامتي فقط!

***

القضايا التي تعالجها المرأة غالبا ما تشمل القهر، والظلم المسلط عليها، والعنف الأسري، وعدم المساواة بينها وبين الرجل، إذ غالبا ما يكون المجتمع ذكرريا بطبعه، وقد لامست القاصة فاطمة الدوسري كل هذه القضايا الشائكة في قصتها”غفوة”فعالجت قضية الزواج الثاني للرجل، في الوقت الذي لم تغفل القاصة حرص المرأة على الاهتمام بنفسها وتحمل مسؤوليتها تجاه الرجل، وتعتبر أن الزواج الثاني للرجل إهانة كبيرة تمس كرامتها في المقام الأول.

جاءت القصة بضمير(المتكلم) الأنا، وهذا الضمير يشغل القارئ ويوهمه بأن القصة تنزع إلى الذاتية، وهو ضمير يشغل القارئ ويجذبه بشكل لافت للولوج في عالم القصة بإثارته ودهشته.

تبدو الحيرة شاخصة في القصة من خلال أسلوب الاستفهام الذي بنيت عليه القصة بناء فنيا: لماذا تزوج علي؟ وكأن السؤال هنا يمثل الحيرة والاضطراب النفسي الذي حرك الأحداث جميعا لمحاولة الإجابة على السؤال.

القصة قصيرة، أشخاصها قليلة، مكانها محدود، زمانها ممتد، أحداثها موضوع شائك، سريعة ومكثفة كالإبرة لكنها تفجر الدماء.

جاءت البداية مثيرة، والنهاية أكثر إثارة، لأنها استقبلت الزوج جسدا بلا روح، فالروح قد فارقتهما منذ أعلن الزواج الثاني. لم تترك القاصة مجالا لمشاركة القارئ في النهاية اكتفت بإعلان رأيها في الموضوع برمته، في إشارة منها إلى الاهتمام بالأولاد، وأخذهم بعين الاعتبار وهي تضع النهاية.

وأخيرا.. لغة القصة فصيحة، لم تَمِلْ إلى العامية بل تمسكت بقوة لغتها واعتمادها على الأفعال الماضية والمضارعة، ولم تذهب كثيرا إلى الاستقبال، فهي تتحكم في الحاضر وتحكي الماضي، أما المستقبل فتركته للقارئ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى