هبة عبد الوهاب تكتب: أنا وأنت و”الشات جي بي تي”!!!

في زمن تتسارع فيه التقنية لتغزو كل تفاصيل حياتنا، تسلّل الذكاء الاصطناعي بهدوء إلى أحد أكثر الأماكن خصوصية: الأدب.

تساؤلات كثيرة بدأت تحوم في رأسي منذ أن جرّبت لأول مرة أن أكتب مع “شات جي بي تي”. سحرني بسهولة، لكنه أرعبني ببروده.
هذا النص ليس هجومًا على الآلة، ولا دفاعًا عن الإنسان. بل هو تأمل صادق، بين تجربة شخصية، وخوف دفين، وحرف صادق، لا أريده أن يضيع وسط الضجيج.

أعترف بدهشتي من قدرة هذا المخلوق اللطيف على محاكاة الإيقاع، واللعب بالكلمات، ونسج الصور الشعرية التي قد أحسها أحيانًا.
لكني في اللحظة نفسها أشعر بالفراغ… وكأن النص بلا نبض. كأنني أقرأ قلبًا مرسومًا على ورق، لكنه لا ينبض.
الذكاء الاصطناعي لا يعرف ما معنى أن تكتب وأنت تبكي، أو أن تمحو سطرًا لأنك خجلت منه، أو أن تخفي قصيدة لأنك كتبتها باسم من لم يعد.

فهل يُولد الشعر من اللغة وحدها؟ أم أنه، كما أظن، يولد من وجعٍ لم يُقل، من حبٍ لم يُكتمل، من حلمٍ لم يجد مكانه؟
أنا لا أبحث عن نص جميل فقط… أبحث عن صدقٍ يشبهني، عن كلمات تشبه نبرة صوتي حين أتعب، وإيقاع نبضاتي حين تخفق وتضطرب!

في كل مرة أطلب فيها من “شات جي بي تي” أن يكتب، ويفعل، وأنا اراقب؛ أجد نفسي في حوار داخلي معه…!
هو لا يتعب، لا يتردد، لا يكتب ثم يمزق، وهذا ما يخيفني.
أشعر أحيانًا أن ما يكتبه مثل أغانٍ نعرف لحنها من أول سطر، جميلة لكن متوقعة. وكأن الإبداع فقد عفويته، وكأن الأدب صار نسخة أنيقة لكنها بلا رائحة.

هنا يمكننا القول أننا حين نُسند للآلة مهمة الكتابة، قد نربح الوقت، لكننا نخسر شيئًا أثمن: تلك اللحظة التي نجلس فيها بصمت، نحاول أن نكتب شيئًا لم يُكتب من قبل، لا لأننا نريد أن نُدهش أحدًا، بل لأن الكتابة وحدها هى الدهشة التي نحتاجها..

أنا لا أرفض الذكاء الاصطناعي، بل أستمتع به والغريب أنه من صميم دراسني، أندهش أحيانًا من ذكائه. لكني أؤمن أن الكتابة ليست فقط مسألة “إنتاج”، بل مسألة هوية!
قد تساعدني الآلة في المراجعة، في توليد فكرة، في تحرير نصٍّ عالق، لكنّني أرفض أن تكون صوتي.

أريد أن أبقى صاحبة الندبة، والبحث، والقلق، واللحظة التي يختلط فيها الحرف بالدمع.
الكاتب الحقيقي لا يخاف من الأدوات، بل يخاف من أن يفقد صوته بين ضجيجها.

هذا المخلوق المريب “شات جي بي تي” لن يقتل الأدب، لكنه قد يُخدّر إحساسنا تدريجيًا. وقد يجعلنا نرضى بنصٍّ “جيد بما يكفي”، بدل أن نبحث عن نصٍّ “صادق بما يكفي”.
التحدي الحقيقي أمامنا نحن، من نحب الحرف ونحترق به، هو أن نُبقي جذوة الصدق مشتعلة،
أن نُحاور التقنية لا أن نستسلم لها. أن نكتب بقلوبنا لا بشاشاتنا.

سيظل الفرق الأجمل بين الإنسان والآلة، هو هذا الشيء الذي لا يُكتب… لكنه يُحس! فلنكتب بعيونٍ مفتوحة على المستقبل، وقلبٍ متمسك
بما يجعلنا بشرًا أو علينا أن نكتفي بالمتابعة ولا نكتب!

هبة عبد الوهاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى