الناقد أحمد فرحات يكتب: صلاة القلق

أحمد فرحات
يبدو أن فوز المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالية البوكر أحدث دويا كبيرا في الأوساط الثقافية المصرية والعربية، وقوبل النبأ باستهجان البعض ورفض الرواية وليس الجائزة، وامتداح البعض الآخر لها والثناء عليها. وبين هذا وذاك تضاربت الآراء في تلقي عمل روائي مصري مغمور، ولعل توقيع الناقد المغربي الكبير على العمل (هنيئا للكاتب الشاب الفائز.. وأظن أن وصفك له بالمغمور هو أحد أسباب نجاحه. الكتابة الحقيقية تحتاج الابتعاد عن الضجيج الذي يتسبب فيه أدعياء الأدب) أما الذين انتقدوا العمل فقالوا:
مهما كان خيال الكاتب لا يجوز أبدا طمس وإنكار أهم حدث في تاريخنا وهو نصر أكتوبر .. هناك سقف وحدود للخيال .. التلاعب في التاريخ جريمة خصوصا في أهم لطمة حدثت للكيان المحتل ..موضوع الرواية ربما منحها الجائزة لاسيما مع عدم ذيوع إبداع الكاتب حتى في مصر .. أيضا في ظل شبهات كثيرة حول أهداف الجوائز العربية لاسيما في ظل الفترة الراهنة التي تشهد حرب إبادة لأهالي غزة .
واستنادا إلى تضارب الآراء الفاعلة في الوسط الثقافي العربي فقد نجحت الرواية حقا في خلق هذا النقاش والجدل المطلوب حول عمل روائي عظيم.
وبدورنا فلا ينبغي أن ندير ظهرنا ولا نلتفت إلى كتابنا من الناشئين والشباب فغالبا لدى الشباب طاقة هائلة يمكن استثمارها.
وهي الرواية الثالثة المنشورة للكاتب مما يشي بألا يفقد الروائيون المبتدئون الأمل في الفوز والظفر بالجوائز العالمية .. ولو أضفنا إلى ذلك أن الروائي ليس فاعلا في الأوساط الثقافية المصرية أو غيرها فهو باختصار كاتب مغمور .. ولو أضفنا إلى ذلك أيضا أن العمل الأول له به من الأغلاط الفنية واللغوية مما جعل الروائي نفسه لا يشجع على قراءتها
صلاة القلق عنوان لافت وداع إلى القراءة والتأمل، فالحياة التي نعيشها هذه الأيام تدعو إلى القلق والحيرة وعدم اليقين في شيء فكل شيء قابل للتغيير والانقلاب إلى الضد.
الرواية الفائزة بالبوكر لكاتب مصري مغمور عمل يستحق الحفاوة والتقدير فهو قد اتخذ فترة زمنية ماضية قرابة عشر سنوات من 1967م إلى 1977م، وراح يوظف مهارته في قلب تاريخ هذه الفترة برموزها السياسيين، وتصور من خلال خياله المحض أننا انتصرنا في حرب 1967م وأن أخبار العالم الخارجي انقطعت تماما عن قرية صغيرة في الصعيد ليس فيها إلا وسيلة إعلام واحدة وتمثال يوهم الناس بأنه للرئيس جمال عبد الناصر راح يبث أفكاره المجازية والخيالية عبر هذا التمثال ويصور قلق الناس وخوفهم جراء خوفهم من التمثال الذي يمثل الرعب لأبناء القرية الصغيرة.
الرواية فنيا تستحق الجائزة لأن الكاتب تلاعب بالتاريخ والزمن تلاعب المحترف حتى يظهر اختلاف شخصيات الرواية واندماجهم جميعا في شخصية واحدة هو الكاتب نفسه.
ومنذ فاز السعودي محمد حسن علوان بالجائزة الدولية عن روايته موت صغير ترجمة غيرية لابن عربي، والرواية التاريخية أصبح لها نصيب كبير في الفوز ، وهنا نهمس في أذن كتابنا ممن يمارسون الكتابة الروائية أن الرواية التاريخية تحظى بقبول كبير لدى لجان التحكيم.