الناقد أحمد فرحات يكتب: جزاء سميرة الزهراني

عضت على سبابتها ومررها على رقبتها وهي تستغفر بعد أن خببت جارها على زوجها ووثقت من وقوع المحظور الليلة.

خرجت من العمارة واتجهت إلى شقة أخيها في العمارة المقابلة التي تسكنها مذ طلقها زوجها وتزوج من بنت الجيران بعد أن حرمها طفلتها الوحيدة.

بعد شهر كانت في شقة هذه الجارة أيضا لكن هذه المرة دخلتها كعروس. في ركن الغرفة وجدت وجها مخيفا تعرفه، وجه مخفي عن الجميع إلاها، ما كان ذاك الوجه إلا وجه شبيه بوجه الساحر الذي نقدته في أول الشهر مبلغا كبيرا من المال ليجعل بيت الجارة جحيما ونسيت أن تعود له لتبطل السحر بعد أن حققت مرادها.

***

بدأت القاصة سميرة الزهراني بداية كاشفة،دالة على الندم والحسرة، (عضت على سبابتها، ومررتها على رقبتها، وهي تستغفر..) وهي بداية تتناص مع القرآن الكريم، “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا“الفرقان(27) فالبداية مع العنوان ينتميان إلى حقل ديني معروف.

تدرك القاصة أن مهمتها في القصة القصيرة تقوم على الدهشة، وخطف القارئ، من خلال لغة قوية، سريعة، خاطفة، مكثفة، مقتضبة، ولذا بدت لغتها في البداية متماسكة، تستمسك بلب القضية المطروحة، وتنتقي ألفاظا دالة للغاية، ومعبرة بقوة عن مضمون قضيتها.

تدفقت دوال المعاني في القصة في جمل سريعة خاطفة، لا تفتقر إلا إلى توقد الذهن عند القراءة، فهي جمل سريعة متتابعة، متداخلة، نابضة بمضمون رسالتها، وهذه الجمل مكثفة للغاية، حتى بدت القصة أقرب إلى الأقصوصة، أو الومضة، لشدة كثافتها، مع الاعتماد على الإيحاء بظلال المعاني، وتدفقها.

يقول المثل الشعبي: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، وهو مثل عربي يقوم على العدالة والاقتصاص من الجاني، ويقول الله تعالى:” وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ” فاطر، 43. ويكون الجزاء من جنس العمل.

الأدب رسالة، والأديب ملتزم بقضايا وطنه، ومن القضايا التي عالجتها القاصة الزهراني الحسد والغيرة، والسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه، وهي قضايا أخلاقية من شأنها معالجة الخلل المجتمعي، ويبدو أن هذه القضية أرقت القاصة فعالجتها بحرفية ومهارة.

الشخصية الرئيس في القصة امرأة، ليس لها اسم معروف، واكتفت القاصة بالضمير الدال  عليها، تاء التأنيث، وهو حيلة فنية راقية من القاصة، بالإضافة إلى اسماء الإشارة(هذه الجارة) ولم تسمها باسم معين، ولا أسمت نفسها، ولا الأخ، فكلها مسميات وهمية تقوم على الضمير والإشارة والاسم الجامد، وعدم التسمية هنا يتناسب مع موضوع القصة. فاكتفاء القاصة بالمضمون أهم من المسميات.

أجادت القاصة الزهراني رسم نهاية القصة، وخططت لها بمهارة، لتقنع القارئ أن الجزاء من جنس العمل، ونسيت أن تبطل السحر. وهي نهاية تتفق والأخلاق الكريمة، والعدالة الإلاهية.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى