الشاعر محمد الشربيني يكتب قصيدة “نذيرُ البِشَارة”

لعلَّكَ ياسيِّدي..لمْ تنمْ
لعلَّكَ رغم تسلُّلِ هذا الظلامِ
يُغطَّي تضاريسَ وجه السماءِ
ويصبغُ-شيئاً فشيئاً-ملامحَ هذا الزمنْ
لعلَّك رغم توهُّجِ هذا المشيبٍ
على سنبلاتِ حقولِكَ..
تاجاً من الذهبِ الحقِّ..
والحكمةِ الحقِّ دون وَهَنْ
لعلَّك مثلي..
تحاولُ مثلي..استعادةَ تلك البلاد الحبيسةِوسْطَ الفراغِ
وتُدْلِي حبالَكَ للعالقين
بمستنقَعات التشتُّتِ منذ القِدَمْ
★ ★
لعلّكَ مثلي..
يلومُكَ وجْهُ”الرشيد”- صباحَ َمساءَ- إذا ما تذكَّر تلك السحابةَ..
حيث تشاءُ ستحلِبُ ألبانَها
ولِـ”بَغْدادَ”بعضُ الحليب!!
يلومك مثلي..
إذا ما تنقَّلَ من”مَشْعرِ الرافِدَيْنِ”الذى كان يوماً عِراقاً حَراماً
إلى جَنَّةٍ لـ”ابن زيدونَ”
حيث استوى قُرْطُبيَّ الغرامِ
ويومَ أفقْنا على مشهد المستبيحين طُهْرَ الوطنْ..
وقُدْسَ الوطنْ
أفقنا..
على صوتِ مَنْ يدَّعِيِ..
أنَّه لم يَخُنْ!!..ولا يُتَّهمْ!!
وحين تَلَفَّتَّ مِثْلِي
إذا بالعروشِ الشريفةِ..
تَسْتبْدِلُ اليوم بالمخبرين جيوشَ العَجَمْ!!
★ ★
لعلك مثلي..
تواجه ما أدْمنتْه ذكورُ العروبةِ منذ استلاب الديار
نضالَ التسكُّعِ…
ما بين أنخابِ تلك الوفود
ابتهاجاً بألْفِ اجتماعٍ..
وبين ارتقاب مخاضات أمِّ القممْ!!
★ ★
لعلَّك مثلي..
يُمزِّقُ صدْرَكَ هذا التسوُّلُ..
-من باب”قيصرَ”..
أو باب”كسرى”-
حقوقَ الأجنَّةِ إذْ يولدون…
على غير دفء السكنْ
يشمُّون..
غيرَ مراضِعِ هذا الوطنْ
يذوقون..
غيرَ مراضعِ هذا الذى يُمتَهَنْ
وباسْمِ نضال الكراسي الوثيرةِ..
يشتدُّ بالناشطين هتافُ العوامْ
وتصفيقُ مَنْ في النظامْ
ومَنْ في النظام يمجِّدُ مَنْ يُتْخِمون البرامجَ والأغنياتِ
بهذا النضالِ المُعَرَّىَ..
المُبَلَّلِ بالعطر..والرقص عبْرَ الأثير!!
فيا أيها الرضَّعُ الزاحفون إلى”القدس”..
نحن أمام المرايا..عرايا
ونحن الخزايا..
أمام اتهام العيونْ
فهلْ تصفحونْ!!
وأنتم تُباعون دوماً
وأنتم تُساقون مثل الأضاحي
وأنتم تشبُّون..
داخل ألغامِ هذا الألمْ
وتحت رصاصٍ من الظَهْرِ..
كَمْ يخرق الرأسَ حتى القَدَمْ
★ ★
تشبُّون رغم الخيانات..
مثْل النخيل الأشمّْ
تشبُّون في كلِّ كفٍّ..رصاصُ الحجارةْ
تشبُّون في كل صدْرٍ..
مزاراتُ”عكا”
وأغصان”يافا”
وأسمارُ”حيفا”
وأسرار أرضِ”الجليلْ”
★ ★
تشبُّون في كل صدْرٍ..
روائحُ تلك الديارْ..
أهازيجُ جَمْعِ الثمارْ..
شَقَاوةُ بعض الصغارِ..
إذا ما تبارَوْا بأجْران تلك المزارع ليلاً
إذا ما تراصوا بأحضانها المخْمَليَّة…
يستدفئون بأنفاسها والحكايا
إذا ما توارَوْا..
بأجفان تلك الأزِقَّةِ..
لا يأبهون بخوف الكبارْ
★ ★
تشبُّون في كلِّ صدرٍ…
خرائطُ للذكريات العصيّةِ..
آثارُ أقدامِ مَنْ…
بالشهادةِ قد قاوموا فِهْرِسَ اللاجئين..
صكوكُ الجذور العنيدةِ…
للشجر العربيِّ العصيِّ..
مفاتيحُ تلك البيوتِ العصيّةِ..
مافارقَتْكم!!
وحُلْمٌ سيكْمُل..
مهما أطال الطغاةُ حِصَارَهْ
سيُقْبِلُ يوماً نذيرُ البشارةْ!!
وإنَّ قلوبَ الأجُنَّةِ تسمعُ دقَّ خُطاه!!
وإنْ زاد هذا العَفَنْ
وإنْ ظل يبْطِشُ هذا الوَثَنْ
وإنْ أَوْثَقَ النبضَ هذا الكَفَنْ!!