محمد خليل يكتب: المرأة بين الحرية والإصلاح

محمد خليل

( المرأة من مصر القديمة حتى العصر الحديث )

قبل أن ندخل للحديث عن المرأة مالها وما عليها لابد لنا أ ن نستعرض في غير تفصيل أو إسهاب تاريخ حياتها في حضارات مصر القديمة وعند الأثينيين والاسبرطيين والعصور الوسطى وعصر النهضة وانتهاء بالعصر الحديث ، ولدينا صورا لكفاحها ونضالها من أجل حريتها واستقلالها وكيفية كفاحها في ميادين قضاياها حتي وصلت إلي ماهي عليه الآن من حريات نالتها  .. ونبدأ بمصر القديمة :

ففي الوقت التي كانت فيه المرأة في كل بقاع الأرض مستعبدة وتعانى من المذلة والرفض كانت حضارة مصر القديمة تكفل لها من الحقوق مالم تصل إليه أو تحصل عليه في أي مكان من العالم ، ففي ذلك الوقت كانت الزراعة في مصر هي أساس الاقتصاد ، وفي ظل هذا الاقتصاد الزراعي احتلت المرأة مكانا عاليا طيبا وقدرا عظيما من حقها كإنسان ، وسمت مكانتها كأم ، حتي أصبحت الأمومة ،ولم تقف مكانة الأم عند هذا الحد ، بل تمخضت

عنها إحدى العبادات وهى عبادة ” إيزيس ” في مدينة مصر القديمة ، وكانت ” إيزيس ” في ذلك الوقت رمزا للإخصاب الذي أحاط أهل وادي النيل، حتي أن المصريين ربطوا بين خصوبة الأرض والوظيفة النسائية من حيث إنجاب الأطفال وحضانتهم وتربيتهم ، وكانت المرأة في ذلك الوقت وفي تلك البيئة الزراعية تحمل على عاتقها مهمة زراعة الأرض دون مشاركة من الرجل، ولأنهم اعتبروها مخلوقا كسائر المخلوقات البشرية له من الحقوق والواجبات كما لنفس الجنس الآدمي من الرجال ، وبهذا الفهم والإدراك أحسنوا إليها كل الإحسان وأجادوا معاملتها كل الإجادة ، والدليل علي ذلك ما نراه واضحا جليا في آثار حكماء وكتاب هذا العصر وما تركوه من نقوش ورسومات علي جدران المعابد والمقابر وغيرها ، ومن هذه الصور التي انتقلت من حضارة إلى حضارة ومن تراث إلي تراث ومن جيل إلى جيل والي تؤكد قيمة المرأة واهميتها في نفس الرجل المصري القديم وفي عقله وقلبه، صورة علي لسان ” طاحوتب ” أحد حكماء مصر القديمة في ذلك الوقت ، حيث نراه يعلم الرجل كيفية معاملة النساء فيقول :

إذا أصبحت رجلا ذا مركز فأقم لك بيتا ( أي تزوج ) ، وأحب زوجك فيه كما يجب أن يكون ، أطعمها الطعام ، وألبسها اللباس ، وأعد لها الزيت لأن فيه شفاء أعضاءها وجسدها ، وأدخل السرور علي قلبها ما عاشت فإنها عقل يدر عليك الخير ، ولا تجادلها فإنها لن تسلك سبيل العنف إذا أنت ترفقت بها .

إذا كانت هذه هي صورة المرأة في مصر القديمة فلابد أنها قد عرفت أن تعامل الرجل وبالتالي أمكن للرجل أن يعاملها . واستطاع الاثنان على حسب فطرة وطبيعة كل منهما أن يوائما بين حياتيهما التي هي في الأصل حياة واحدة يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء فاتقوا الله تساءلون به والأرحام إن الله كان علي كل شيء قديرا  – ولكنها مشطورة وتحتاج إلى الدقة في إعادة كل شطر إلي الآخر .

إن منطقتنا العظيمة لها السبق في كل شيء وهي أصل هذه الحضارات التي تشمل أمريكا وروسيا ودول أوروبا الغربية ، فإن المرأة البابلية لم تكن أقل مركزا أو حقوقا منالمصريات بل يمكن أن تكون المرأة المصرية قد تفوقت عليها في الحقوق والواجبات في أفياء تشريعات ” حمورابي  ” .. وقد سن لها تشريعات وقوانين جديدة لم تكن موجودة استحدثها لها في سنة 2350ق م.. فارتفعت مكانتها بفضل تلك القوانين والتشريعات إلي أقصى درجات الاستقلال والحرية ..

من بين هذه التشريعات السابقة لأوانها أنه أثبت وقرر أن الزواج لم يكن إلا تعاقد بين الرجل والمرأة وأبطل نظام تعدد الزوجات ، وأنه لا يجب علي الرجل أن يتزوج أكثر من امرأة واحدة فقط إلا في بعض حالات  مثل العقم أو المرض الذى لا أمل الانتجاع أو الشفاء منه ، وهذا يجعلنا نؤمن بأن النظام الذي استحدثه ” حامورابي ” ضمان لسعادة المرأة وحقها في ان تعي حياة كريمة خالية من المنغصات التي تفسدها ، ومن ثم كان الرجل مسئولا مسئولية كاملة عن ديونها وبيتها وكل ما يعوذها وتحتاج إليه ، وعن حقها في الميراث الذي يتركها لها ولأولاها من بعده ، وكان الطلاق متاحا بيد الرجل ، فإذا حدث وطلقها كان الطلاق مباحا بيد الرجل فاذا حدث وطلقها كان من حقها حضانة الأولاد إلا اذا ثبت  بالدليل القاطع الذي لا يقبل الشك او الجدل أنها فاسدة يخشى على صلاح الأبناء من حضانتها لهم ، فعندئذ يستطيع ان ينزلها منزلة الإماء ويتولى حضانة الأبناء.

ولكن ليس معنى ذلك أن الطلاق كان مباحا بيد الرجل وان تبخس حقوقها ، فقد كان من حقها أن تقف معه أمام القضاء إذا رأت مقاضاته ، وإذا مات عنها زوجها أصبح من حقها أن تحل محله في ملكية الأرض والوصاية على الاولاد ، وصار لها في ظلال تلك الشريعة الحامورابيةأن تكون كاتبة وحاكمة وقاضية وشاهدة .

كان هذا هو حال المرأة في مصر وبابل في نفس الوقت الذي كانت فيه النساء  الغربيات وغير الغربيات لا يتمتعن بأدنى القليل من الحقوق والضمانات ويعاملن معاملة الإماء والرقيق حتى تلاشت شخصياتهن وذابت أدميتهن .

                     ………………………..

فماذا عن المرأة في الحضارة اليونانية ؟ ..

أرض الفكر والمفكرين والفلسفة والفلاسفة لنتعرف علي حظ المرأة التي أنجبت للعالم رواد وعمالقة في الفلسفة  والفكر والأدب ، مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وبركليزوسوفو كليس وغيرهم ، فالمرأة في أثينا في ذلك الزمن لم تحظ بالنزر اليسير من حقوقها مثل المرأة المصرية  ، يرجع ذلك أن الأثينين لم يكونوا يهتمون إلا بما ينتجه العقل ويتمخض عنه الفكر حتي صارت العقليات دينهم وديدنهم والشعوريات ممقوتة  ليس لها

ليس لها أدني قيمة ..

أدي هذ الانصراف التام نحو العلوم الفكرية والفلسفية إلي ضياع حقوق النساء وإهمالهن وحصرهن في دوائر الفن والجهل ، فليس  من حقها أن تتعلم ولا أن تمارس ما يمارسه الرجل حتي في الأعمال الفكرية والحياتية ، ومن ثم فرضوا عليها التقوقع داخل جدران البيوت لا تبرحها  إلا وهى محجبة من قمة رأسها إلي أخمص قدميها ، واعتبرها الناس شيطانا مريدا يقود إلي الأخطاء والخطيئة ، وأن الخطيئة لا تصدر إلا من جانبهن ، وأنهن فتنة وأداة شيطانية وسم قاتل يسري مسري الدماء إذا ما عوملت  معاملة رقيقة ، أما الأعمال الزراعية والتي كانت وقفا علي المرأة المصرية القديمة وكذلك الأعمال الصناعية والشئون المنزلية فقد كانت من أخص أعمال طبقة الر قيق والمستعبدين ، أما الشئون العامة للدولة فكانت من مهام الرجال وحدهم دون النساء ..

كان هذ هو حال المرأة اليونانية وظل وضعها ينحدر حتي أصبحوا يقللون من شأنها أكثر من ذي قبل ويضربون حولها الحصار من كل جانب ، وما إن جاء القرن الخامس قبل الميلاد حتي باتت المرأة اليونانية مغلولة اليدين ، وبلغت من المهانة والازدراء مبلغا تساوت به مع طبقة العبيد والرقيق ،  هذا في الوقت الذي كان ” الاسبرطيون” يطلقون العنان لزوجاتهم تاركين لهن الحرية الكاملة ، حتى الأثينين  لم ترق لهم أحوال أهل ” اسبرطة ” فراحوا يعايرونهم أنهم مجموعات من الرجال لنسائهم الحكم عليهم والخضوع لآرائهن في شتي أمورهم وأحوالهم ، ولم يكن هذا الاستخفاف إلا لأن الاسبرطي لم يجد مبررا معقولا لغيرة الأثيني علي زوجته والخوف والحذر من تصرفاتها ، إذ أن المرأة الاسبرطية في ذلك الوقت كان واجبها الأول هو إنجاب الأطفال والقيام بتربيتهم والسهر على أحوالهم حتي يخرجن للمجتمع جيلا قوى البنية شديد المراس لا ختتحطم شكيمته ولا تهن عزيمته من أحل مبدأ واحد هو : الموت من أجل أن تحيا اسبرطة ..

هذا لان الرجل الاسبرط كان قد أمات شهوات النفس والجسد وسيطر عليها قبل أن تجمح في صدره وتستبد بعقله ، علي عكس اليوناني الذي كان يعتبر المرأة أداة متعة واستمتاع فقط ، وقد جبل الاسبرطى نفسه علي حياة العنف والخشونة والرياضة المستمرة بغية تنمية الجسد تنمية قوية سليمة تمكنه من المواجهة القوية مع أعداء بلاده ..

وعلي الرغم من هذ ا السخط والضيق والنفور والثورة علي ما عم البلاد من رجس وفسق وفساد كان الأمير ” لورنزومديتش ” أمير مدينة ” فلورنسا “التي شهدت هذه الثورة الإصلاحية يحضر بنفسه لسماع خطب ومواعظ ” سافونا رولا ” ولم يكن حضوره يمنع رولا من انتقاده والسخرية منه أثناء جلوسه مستمعا إليه ، ” لورنزو” متسامحا لسخريته ، مبتسما لنقده اللاذع ، مستقبلا كل الإهانات بلطف وهدوء ، ومات الأمير وآل حكم فلورنسا إلي” سافونا  ” وأصبح كل شيء في يده ، فأصلح ما فسد ، وضرب بكل قوة وقسوة كل ما مكن لإباحة الرزيلة ، وتمكن من تقديم أول تجربة اشتراكية في تاريخ العالم .

وكان أول ما فعله هو إلزام النساء حدودهن حتي يتمكن من القضاء نهائيا علي أسواق الدعارة ، وأوجب ضرورة  الاقتصاد في المشرب والملبس والمسكن حتي تستقيم أمور الحياة الاجتماعية ، ومن ثم أمكنه أن يجعل من فلورنسا مدينة دعامتها الخلق الكريم والسلوك المستقيم ، وبما أن لكل فعل رد فعل كان لابد أن يثور بعض الضعفاء الذين استطاع  “سافونا رولا ” أن يضرب علي أيديهم بإبعادهم عن الانغماس في شهوات الجسد والانقياد خلف نزوات النفس ، وثارت الطبيعة القذرة الكامنة في لاوعي هؤلاء الناس ، واستبد بهم الحنين إلي أيام الخلاعة والتهتك والمجون في عصر ” ميدتش ” ، استيقظت هذه السلائق القذرة مرة أخري ، وحزنت هذه النفوس المنحرفة علي ما ضاع من ملذاتها وشهواتها وغاياتها الدنيئة الوضيعة ..

ولم ينس البابا اسكندر السادس هجومه عليه ، فحمل عليهمحاولا انتزاع مقاليد حكم المدينة من يده ليستتب له أمرها ، فكان أن أعطي دعوة ” سافونا ” إلي الإصلاح لونا أسود تكتئب منه النفوس ، وأخذ يثير عليه أحقاد الناس وموجدتهم وشرورهم ، ودأب علي مطالبتهم والتقليل من شأن دعوته ،  ومحاولة القيام  بانقلاب علي تعاليمه ، إلي أن تم له القبض عليه والحكم بإدانته وإعدامه .. وتم تنفيذ الإعدام في الرجل الذي أراد الإصلاح ، وابتغي طريق الإصلاح عام 1498م .

هذه صورة عامة لحال المرأة في المجتمعات القديمة ، وكيفية معاملة الرجال لها ، وكيف أنها بلغت مبلغا من الازدراء والمهانة مبلغا منزلة الإماء والرقيق والحيوانات .

ومن الأمثلة التي تؤكد صدق هذه الصورة البشعة أنه في عام 1790م قد بيعت امرأة في أسواق انجلترا بشلنين ، وذلك لأنها ثقلت بتكاليفها الحياتية علي الكنيسة التي كانت تؤويها .

هكذا ظلت المرأة حتي عام 1882م محرومة من حقوقها الكاملة في امتلاك العقارات وحرية التقاضي مثل المرأة المصرية ، حتي أن تعليم المرأة في تلك الفترة كان يعتبر سبة وفاحشة تشمئز منها النساء قبل الرجال ، وأخذ الاشمئزاز صورة سافرة عندما التحقت ” اليصابات بلاكويل “بجامعة جنيف عام 1948م لتدرس الطب ولتصبح أول امرأة في العالم تقتحم المجال الطبي فثارت عليها النساء وأبين الحديث معها ، وراحت النساء تلملم ذيولها من طريقها احتقارا لها ونكاية بها كأنهن يتحرزن من نجاسة أو قذارة ، وتأكد هذ الظلم من جانب الرجال للنساء عندما أعلن أن بعض الرجال الذين يؤمنون بحرية المرأة وحقها في التعليم في طريقهم لإقامة معهد في ” فيلادلفيا “يدرس للنساء العلوم الطبية ، عندئذ أعلنت الجماعة الطبية بالمدينة أنها سوف تصادر كل طبيب يقبل التعليم بهذا المعهد ، وأنها ستقف في وجه كل من يستشير هؤلاء الأطباء .

محمد خليل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى