الناقد أحمد فرحات يكتب: الشعراوي
الناقد أحمد فرحات
فضيلة الشيخ الشعراوي الذي شغل الناس وملأ الدنيا، بعلمه وفهمه وشرحه، وإذا نحن بيوم وليلة أمام طريقة جديدة في الشرح والتفسير تسمى “الطريقة الشعراوية”.
ومع ذلك لم تخل سيرته من بعض المآخذ التي أخذت عليه وفي سيرته أيضا الكثير من المزايا والمناقب.
فمن سيرته الحسنة فوق تفسيره وشرحه لكتاب الله: أنه لم يعاد يوسف إدريس:
نعم لقد أفلت الشيخ الشعراوي من ذلك؛ فلم يستغضب أحداً، ولم يعاد أحداً، وحين عبس الدكتور يوسف إدريس في وجهه وتناوله وسخر منه، لم يثأر منه ولم يحرش جماهيره به، بل تركه حتى ذهب إليه الدكتور يوسف بنفسه، واعتذر إليه.
ومن موقفه التي أراها جيدة تأثره بالقرآن الكريم في نظمه للشعر، ومن اللافت للنظر أن الشيخ الشعراوي قد ضمن هذه الآية الكريمة في شعر له قديم، قال:
يا من تضايقه الفعال من التي ومن الذي
ادفع فديتك (بالتي) حتى ترى (فإذا الذي)
في إشارة منه إلى قوله تعالى:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) (فصلت)
وهذا لون من الشعر، يضمِّن فيه الشعراء شيئاً من القرآن الكريم، ويجعلونه في قوافيهم، ومنه قول الشاعر:
ألا يا أيها المرء الـــذي ألهمُّ به بَرَّحْ
وقد انشد بيتاً لم يزل في فكره يسنح
إذا اشتد بك العسر ففكر في (ألم نشرح)
فعسر بين يسرين إذا أبصرته فافرح
وممن عُرف بهذا اللون من الشعر الشاعر الخباز، من شعراء القرن الرابع، قال:
سار الحبيب وخلف القلبا
يبدي العزاء ويضمر الكربا
قد قلت إذ سار السفين بهم
والشوق ينهب مهجتي نهبا
لو أن لي عِزَّا أصول به
(لأخذت كل سفينة غصبا)
لقد سلك الشيخ مسالك عجيبة في بيان إعجاز القرآن والكشف عن مراد الله في هذا الكتاب الحكيم، بتأمل اللغة، والنفاذ إلى أعماقها، وإبراز خصائصها الصوتية والتركيبية، وقد لامه بعض الجامعيين من الأساتذة الكبار، وكانوا هم أولى الناس بمتابعة الشيخ في ذلك، ودرسهوتكميله، وإضاءته بمناهج الدرس الحديث، ولكنكم-أيها السادة- فتنتم أنفسكم، وارتبتم، وغرتكم مناصبكم الجامعية، فتكبرتم، وأعرضتم عن الشيخ جملة، وقد ظلمتم أنفسكمباتخاذكم الكبر، فتوبوا إلى بارئكم، وأعكفوا على تراث الشيخ المسموع والمرئي، فأعملوا فيه عقولكم، وأعطوه حظه من النظر والتأمل، فإن الشيخ قد أوتي علماً عظيماً، ينبغي علينا نحن ورثة الأنبياء كشفه وإظهاره.
وحين نعكف ويعكف المنصفون من المثقفين والجامعيين على تراث الشيخ، كشفا وإضاءة، نكون قد أقمنا الموازين الصحيحة لتقييم الشيخ والحكم عليه، ونكون أيضا قد استنقذناه من أيدي العامة التي توشك أن تتخذ قبره حناناً تأوي إليه.
ومن المواقف التي لا أتفق معه فيها أنه قد صلَّى ركعتين شكراً لله علىنكسة 1967م، فهذه زلة عظيمة من الشيخ غفر الله له، ولا يعتذر له عنها، مهما كانت الأسباب والمسوغات.
وكذلك ليس صحيحاً أن الشيخ وظف شعبيته الدينية لدعم نظام الرئيس السادات، فالسادات كان قد كسب شعبية كبيرة بعد انتصار حرب 1973م لأنه مسح العار عن جبين مصر والأمة العربية، وذلك قبل أن يلتقي بالشيخ الشعراوي وزيراً عام1976م، ولم يؤخذ على الشيخ إلا قوله في حق الرئيس السادات: لا يُسأل عما يفعل. وهذه قد غضب منها المتدينون؛ لأنها قيلت في حق المولى عزَّ وجلّ، والحق أنها كانت غلطة من الشيخ، لا يعتذر عنها إلا بأنها زلة أديب، لا عالم، كما استهجن الناس من قبل قول ابن هانئ الأندلسي في الخليفة:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
ومع ذلك فلم تطل إقامة الشيخ الشعراوي بالوزارة، ويقولون إن خلافات نشبت بينه وبين الرئيس السادات، بسبب قضية الأوقاف، وبخاصة ما يتصل منها بسور نادي الزمالك.(الطناحي).
الناقد أحمد فرحات