هبة عبد الوهاب تكتب: النشر الورقي مقابل النشر الإلكتروني
هبة عبد الوهاب
لا شك أن المناخ الإلكتروني المسيطر قد أثر بشكل كبير على المطبوعات الورقية، سواء على مستوى الإنتاج أو الاستهلاك. هذا وبالتالي تراجع الطلب على المطبوعات الورقية من كتب وصف ومجلات بنسبة كبيرة.. خاصة بعدما أصبح الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت أكثر سهولة وسرعة.
كما أن العامل الاقتصادي وارتفاع تكاليف الطباعة أسهما بشكل كبير في الحد من أعداد الكتب المطبوعة. ويظهر هذا جليا في ارتفاع التكاليف؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، وارتفاع أسعار الكتب، وعزوف شريحة من القراء عن الشراء.
بالإضافة إلى تقلص الدعم الحكومي، وتراجع دعم الدولة للنشر الورقي، وقد أدى هذا إلى اعتماد الناشرين على السوق وحده بكل تقلباته، وبالتالي انخفاض أعداد الكتب المطبوعة. وكذلك محدودية التوزيع،
ولن ننسى ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، وصعوبة إيصال الكتب إلى الأسواق المختلفة.
ولهذا نجد أن دور النشر أصبحت تركز أكثر على الأعمال ذات الطابع التجاري أو الجماهيري على حساب الكتب الثقافية أو الأدبية.
ومن أهم الأجناس الأدبية الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة هي:-
1. الشعر ربما لأن جمهور الشعر محدود نسبيًا.
2. الدراسات النقدية والثقافية فهى تستهدف فئة متخصصة من القراء، مما يجعلها أقل جذبًا للناشرين.
3. الرواية الأدبية الجادة: وهذا على عكس الروايات التجارية أو الخفيفة، فإن الرواية الجادة التي تتناول قضايا فلسفية أو إنسانية عميقة قد تعاني من قلة الإقبال.
4. الترجمات الثقافية والفلسفية: والتي تراجعت بسبب ارتفاع تكاليف الترجمة والنشر، فأصبحت الكتب المترجمة ذات الطابع الثقافي أقل حضورًا مقارنة بالأعمال التجارية.
وبالفعل مع هذه التحديات، لجأ العديد من المؤلفين والناشرين إلى الخيارات التالية:
النشر الإلكتروني: كبديل أقل في التكلفة، كما يمكنه الوصول إلى جمهور أكبر.
الطباعة عند الطلب: حيث تُطبع الكتب بناءً على عدد النسخ المطلوبة مسبقًا للسوق أو مسابقات مثلا..
الاعتماد على التمويل الذاتي: لدعم نشر كتب أدبية وثقافية.
لكن رغم كل الصعوبات السابقة، يبقى الكتاب الورقي الأدبي حاضراً _ وإن كان أقل انتشارًا_ بفضل قيمته الثقافية والرمزية التي مازال يقدرها بعضهم.
وأرى أن تعدد معارض الكتب الدولية والمحلية وازدهار دور النشر في ظل أزمة الكتاب الورقي يوحي بأن معارض الكتب لم تعد مجرد منافذ لبيع الكتب، بل هى فعاليات ثقافية كبرى تجمع بين الناشرين والكتّاب والجمهور.
فهى تُقدم مساحة للتواصل الثقافي وإقامة الفعاليات مثل توقيع الكتب، وعمل المحاضرات، والندوات والفاعليات، مما يعزز الاهتمام بالكتاب الورقي. كما لاننكر أيضا أن بعض القراء يحبون اقتناء الكتب الورقية كمنتج ملموس يحمل قيمة عاطفية ورمزية لا يوفرها الكتاب الإلكتروني.
وفي بعض الدول، هناك زيادة في معدلات القراءة، خاصة بين الشباب المهتم بالهوية الثقافية والتاريخ.
بالإضافة إلى بعض المبادرات الدولية التي تشجع على القراءة، مثل مبادرات “عام القراءة” أو “أمة تقرأ”، … وغيرها التي أسهمت في تعزيز الإقبال على الكتب الورقية.
من المهم أن ننوه إلى تنوع موضوعات الكتب المطبوعة واستهداف أكثر من جمهور، فهذا يساعد على رواج الكتب المتخصصة، مثل كتب الأطفال المصورة أو الكتب الفنية، والتي ما زالت تجد جمهورًا واسعًا بسبب طبيعتها التي يصعب تقديمها إلكترونيًا بنفس الجودة.
ويمكن النظر إلي معارض الكتب أنها نافذة اقتصادية مهمة لدور النشر، تعمل على توسيع قاعدة عملائها والوصول إلى أسواق جديدة.
وهناك بعض الحيل التي يمكن اللجوء إليها، منها الخصومات والعروض التي تزيد من مبيعات الكتب الورقية، وتجعلها في متناول جمهور أوسع.
نجد أيضا أن دور النشر بالفعل تطورت في طريقة تسويقها للكتب الورقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشراكات مع المؤلفين والمؤثرين.
كما لا ننكر أن النشر الورقي يُكمل النشر الإلكتروني ولا ينافسه، فلو نجحت دور النشر في توفير النسختين معًا ستلبي جميع الأذواق.
وفي الحقيقة أن هناك ما يعرف برمزية الكتاب الورقي، فهو يمثل رمزًا ثقافيًا وبعدا حضاريا لدى العديد من القرّاء..
كما أن الكثير من المؤسسات الثقافية والأكاديمية تُفضل الكتاب الورقي لأغراض التوثيق والحفظ على المدى الطويل.
هبة عبد الوهاب