الشاعر محمد الشربيني يكتب: الخَيْبَةُ في النخْبَةِ..!!
الشاعر محمد الشربيني
حينما يمتزج الشعر بأنوار الرسالات السماوية تصبح ألفاظه مرايا ناصعةً تنعكس عليها وصايا المرسلين والأنبياء،وتأتلق على صفحتها صفاتهم وأخلاقهم، وتبدو سلوكياتهم واضحة جلية لكل ذي بصر وبصيرة؛لذلك نجد هذه القصائد تجري على كل الألسنة، وتأنس بها النفوس، وتتخلص بها الأرواح من قيود الأجسام، ورغم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يكن من أهل الشعر وما ينبغي له أن يكون من أهله، كما قال الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ)، إلا أنه أنشد: (ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا/ ويأتيك من لم تزود بالأخبار) .
فقال “الصدِّيق أبو بكر”: ليس هكذا يا رسول الله،فقال عليه الصلاة والسلام: إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي.وفي خبر أخرجه أحمد عن”عائشة” قالت:كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة” ويأتيك من لم تزود بالأخبار”وإذا كان رسول الله ﷺ يسمع الشعر،و”أبو بكر” ينشده في حضرته..فهل للتقليد والاقتداء موضعٌ أرفع من هذا!!..وما استشهد به النبي ﷺ وأُُنشد بين يديه أكثر من أن يحصى؛لذلك لا ينكر الشعر الحسن أحدٌ من أولي النهى.
وتبرز قضية التسامح بين بني الإنسان كفضيلة إنسانية ومزيةٍ من مزايا أصحاب النفوس الفاضلة؛ليتحقق بها التعارف المقصود في الآية الكريمة(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ..الآية)؛لذلك لا ندهش حينما نقرأ حديثاً نبوياً شريفاً يتحدث عن أخوة الأنبياء لبعضهم البعض قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:(أنا أولَى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء إخوةٌ لعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد)فالقصد تشبيه الأنبياء عليهم السلام بالوالد الذي تزوّج عدّة نساء فأنجبْنَ أولاداً، فالأولاد إخوةٌ من جهة الأب،وإن اختلفت أمهاتهم.
لقد أدرك ذلك كبار الشعراء فيقول أمير الشعراء:(عيدُ المَسيحِ وَعيدُ أَحمَدَ أَقبَلا/يَتَبارَيانِ وَضاءَةً وَجَمالا)(ميلادُ إِحسانٍ وَهِجرَةُ سُؤدَدٍ/قَد غَيَّرا وَجهَ البَسيطَةِ حالا)،لكننا قد ندهش كثيراً حينما نقرأ قصائد رائعة لكبار الشعراء المسيحيين في مديح رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فلقد كتب الشاعر السوري المسيحي”چاك شماس”قصيدته الرائعة “خاتم الرسل”معبراً عن دهشته من اندهاش الإعلام من ذلك،إذْ تقدم بها إلى جائزة البردة الإمارتية، وقال”أنا ثقافتى عربية إسلامية،وإذا مدحتُ الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك لأنى أحبه وتساءل”كيف لى ألا أحب إنسانا بهذا المستوى النبيل من الإنسانية والخلق؟ يبدو ذلك في بعض أبياتها:
(ماذا أسطِّر فـى نبوغ (محمدٍ)/ قـاد السفين بحكمةٍ وأمان)(ومآثر الإسلام فى سِفْر الهدى/درب النجاة و شعلة الفرقان)(أنا يا (محمد) من سلالة يعرب/ اهواك دينَ محبةٍ وتفان)(وأذود عنك مُولَّهاً ومتيماً/ حتى ولو أُجْزى بقطْع لساني).
لقد بدت كلمات”چاك شماس” مفعمةً بصدق إعجابه حينما يستطرد” لقد نشر محمد صلى الله عليه وسلم عقيدة جميلة ونبيلة وتدعو إلى الإنسانية، فثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع”ليأتي الختام فوَّاحاً بعطر الحب إذ يقول:
(إن تاه عنواني فإنِّي شاعرٌ/ عشق النخيل وسورة الإنسان)(مهما مدحتك يا(رسول)فإنكم/فوق المديح وفوق كل بياني)(لن تفلح الدنيا بكسر عقيدةٍ/ والدين يرفل بردة القرآن).
ويبدع الشاعر”چاك شماس” في قصيدة أخرى:
(إني مسيحيٌّ أجلُّ محمدا/وأجل ضادا مهده الإسلام)(وأجلُّ أصحاب الرسول وأهله/حيث الصحابة صفوةٌ ومقام)(أودعتُ روحي في هيام محمد/دانت له الأعراب والأعجام)
فالأمر إذن ليس وليد صدفةٍ وليس بحثاً عن شو إعلامي لأنه أمر شائع في مسيرته.
ولم يكن”چاك شماس” وحيد عصره في المبادرة؛بل سبقته مواكبُ لشعراء مسيحيين أبدعوا؛فهذا “إلياس فرحات” اللبناني المهجري يقول:
:(غمر الأرض بأنوار النبوةْ/كوكبٌ لم تدرك الشمس علوَّهْ)(لم يكد يلمع حتى أصبحتْ/ترقب الدنيا ومن فيها دنوَّهْ)(بينما الكون ظلامٌ دامسٌ/فُتحتْ في مكةَ للنور كُوَّةْ).
ليستنتج الباحثون أن مدح النبي-صلي الله عليه وسلم-بتعداد صفاته وإظهار الشوق لمبادئه تعظيما قد تحول إلي البحث عنه كمنقذٍ للعالم وطريق علاجها الوحيد، وانطلاقا من هذا المنظور فإن الشعراء المسيحيين -أبناء الحضارة العربية الإسلامية-جاءت أشعارهم من هذا المنظور الحضاري”.
وإني لأعجب لِمَ لا يتم تسليط الإعلام المرئي والمقروء أضواءه على مثل ذلك من النقاط المضيئة بدلا من اللهاث خلف كرة من المطاط تستنزف ميزانيات دولٍ، وتستقطب توافه الشخصيات والأخبار وبرامج تزيد الاحتقان بين مشجعيها أليس ذلك أجدى في تربيةالأجيال؟!! إن خيبتنا في نخبتنا.!!فهل تتصور هذه النخب الذين يجب عليهم صناعة وعي الأمة أن من أبيات أمير الشعراء في قصيدته المشهورة ” كبار الحوادث في وادي النيل” هذه الأبيات غير الشائعة كثيراً!
(وُلِدَ الرِفقُ يَومَ مَولِدِ عيسى/وَالمُروءاتُ وَالهُدى وَالحَياءُ)(وَاِزدَهى الكَونُ بِالوَليدِ وَضاءَت/بِسَناهُ مِنَ الثَرى الأَرجاءُ)(وَسَرَت آيَةُ المَسيحِ كَما يَسري/مِنَ الفَجرِ في الوُجودِ الضِياءُ)(تَملَأُ الأَرضَ وَالعَوالِمَ نوراً/فَالثَرى مائِجٌ بَهاً وَضّاءُ).
الشاعر محمد الشربيني