الشاعر محمد الشربيني
ولَعلِّي لا أكون مغالياً إذا قلتْ إن ما رأيته طيلة الأسبوعين الماضييْن-من الصور التي حملتْها وسائل الإعلام المختلفة-بشأن سوريا وإسقاط تماثيل(حافظ الأسد وابنه بشّار)، هي ذات المشاهد التي حدثتْ قبل واحدٍ وعشرين عاماً في العراق،إذْ تمَّ إسقاط تماثيل(صدّام حسين)، من كافة الميادين بكل المدن العراقية،وداسته أقدامُ الحاضرين بكثير من التشفِّي..
ولسْنا هنا في مقام محاكمة القيادة العراقية أو القيادة السورية على ما ارتُكِبَ في حق الشعبين الشقيقين العراقي والسوري؛ورغم أن الدولتين الجارتين ينتمي فيهما الحكم إلى إطارٍ واحدٍ وهو”حزب البعث العربي الاشتراكي القومي الوحدوي” وأضفْ ما شئتَ من أوصاف إلا أن ذلك الحزب المنقسم بين الدولتين لم يضمن بينهما جواراً طيِّباً؛ فـ”عراق البعث العربي”حارب “إيران” الفارسية و”سوريا البعث العربي”من أكبر الداعمين لـ”إيران”في “قادسية صدّام”ورغم أن الدولتين تعلقان لافتة واحدة على كل المعابر الحدودية البريَّة (أمَّةٌ عربيةٌ واحدةٌ.. ذاتُ رسالةٍ خالدةٍ)فلا تدهش ياصديقي من لوغاريتمات قبائل العرب..!! القائمة على انضواء القبائل العربية تحت مظلة اللاعبين الدوليين لتحقيق مصالح تتعارض وقومية العرب؛فهل ننسى المناذرة واستقطاب الفرس لهم وكذلك الغساسنة وموالاتهم الروم..
نفس التوطيد لفكرة أننا على رقعة الشطرنج مجرد”بيادق”آه لو فطن العرب إلى أوراقهم المؤثرة لصاروا الحصان الأسود المؤثر في كل القرارات العالمية..أجل ياصديقي المندهش مرَّاتٍ قلائل أجاد العرب فيها اللعب على رقعة الشطرنج مثل: “يوم ذي قار” فهزموا الفرس، و”حطِّين وعين جالوت”
و”حرب أكتوبر”ورغم إدراك مصر ما يتهدد العرب من أخطار ونداءاتها بتشكيل قوة عربية موحَّدة رئاسة أركانها مصرية وقيادتها عربية بالتناوب إلا أن مَنْ تتهددهم الأخطار كانوا أول معارضيها
(مرَّةً أُخرى على شُبّاكنا تبكي
ولا شيءَ سوى الريحِ
وحبّاتٍ من الثلجِ على القلبِ
وحزنٍ مثل أسواقِ العراق../
مرَّةً أُخرى أمدُّ القلبَ
بالقربِ من النَهْرِ زُقَاق../
مرَّةً أُخرى أُحَنِّي نِصْفَ أقدامِ الكوابيسِ بقلبي..وأُضيءُ الشمعَ وحدي..وأُوافيهِم على بُعْدٍ..وما عُدْنا رِفاق../لمْ يَعُدْ يذكُرُني منذ اخْتَلفنا أَحدٌ غير الطريق..صارَ يكفي!)
وتظل قصيدة(ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد) لشاعر العراق”مُظفَّر النوَّاب” الشهيربـ”شاعر القصيدة المهرَّبة”،أقول تظل قصيدته نبعا دافقاً من الوجع الإنساني؛فلقد طورد الشاعر واعتُقِل ثم الفرار بحفر نفق والتخفِّي وسط البسطاء ثم العفو عنه ثم غادر”بغداد” إلى”دمشق” ثم إلى أوروبا ليستقر به المقام في”أثينا”
ليكتب قصيدته راصداً مكابداتِ الغربة وحرقةَ بكائه العفوي غربته في”أثينا”إذْ لم يعد يذكره سوى الطريق الذي جاء منه،ولن أخدش سحر القصيدة بشرح مُبْتَسر لكنها إطلالة المحب مازجاً ما بين أمنياته الثلاثة وثلاثة أسئلة مشروعة تطل برأسها مطلع العام الجديد: أيستطيع السوريون أن يختزلوا عشرين عاماً من صراعات الحكم في العراق؟! أم أن الكتالوج واحدٌ يتم تطبيق مراحله دون اختزال!!
لأن مهندس التغيير واحدٌ في الدولتين هو الغرب،وإياك من مقولات الثورات الشعبية وقدرتها على التغيير؛ فالأكيد أنه قد حدث بين اللاعبين الدوليين والإقليميين في المسرح السوري الكثيرُ من الموائمات
(فَرَحُ الأجراسِ يأتي من بعيدٍ..وصهيلُ الفتياتِ الشُقْرِ يستنهِضُ عزمَ الزمنِ المُتْعَبِ
..والريحُ من الرُقْعَةِ تغتابُ شموعي/رُقْعَةَ الشبّاكِ
كم تُشْبِهُ جوعي!!/و”أثينا” كُلَها في الشارعِ الشِتْويِّ
تُرْخِي شَعْرَها للنَمَشِ الفِضِيِّ
وللأشرطةِ الزرقاءَ واللذّةِ
هل أخرجُ للشارعِ..!!
مَنْ يَعرِفُني!!
مَنْ تَشْتَريني بقليلٍ من زوايا عيْنِها!!
تعرِفُ تَنْويني وشَدَّاتي وَضَمِّي وجُموعي/أيْ إلهي إنَّ لي أمنيةً:أنْ يسْقُطَ القمعُ بداءِ القلبِ والمَنْفَى يعودون إلى أوْطانِهمْ ثُمَّ رُجوعي/
لم يَعُدْ يذكُرِني منذُ اخْتَلَفنا غير قلبيْ والطريقْ صارَ يكفي)
ويرى”مظفر النواب”سياط العزلة في يد الغربة شديدة الإيلام لن يخففها خروجه إلى الشارع ومشاركة”أثينا” عرسها،لكن مَنْ مِنْ هؤلاءِ يعرفه،ومَنْ مِنْ هؤلاء الفتيات تشتريه يقليل من كحل عينيها، وتعرف خفايا لغته..إن أزمة”مظفر النواب”وسائر المبدعين تكمن في قمع السلطة لكل مخالفيها ليطلّ السؤال الثاني.. متى يتم إجبار العدو الصهيوني على الانصياع للشرعية الدولية ومحاكمة قادتها على ما ارتُكب من جرائم ضدالإنسانية:خمسون ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال بجانب أكثر من مائة وعشرين ألف مصاب ولايزال الدم العربي بلا ثمن
(كُلُّ شيءٍ طَعْمُه طَعمُ الفِراقْ/حينما لم يبقَ وَجْهُ الحزبِ وَجَهَ الناسِ قد تَمَّ الطلاقْ/حينما ترتفعُ القاماتُ لَحْناً أُمَمِيَّاً ثُمَ لا يأتي العِراقْ../كانَ قَلْبِيْ يَضْطَرِبْ..
كنتُ أبكي!!/كنتُ أستفْهِمُ عن لَوْنِ عريفِ الحَفلِ!!عَمَّنْ وَجَّهَ الدعوةَ..عَمَّنْ وضعَ اللحنَ..ومَنْ قادَ..ومَنْ أنْشَدَ..
أستَفْهِمُ حتى عن مذاقِ الحاضرينْ!!/يا إلهي..يا إلهي..يا إلهي../إنَ لي أمنيةً ثالثةً أنْ يَرْجِعَ اللَحْنُ عراقيّاً
وإن كانَ حزينْ!!/ولَقَدْ شَطَّ المَذَاقْ/لَمْ يَعُدْ يذكُرُني منذ اختلفنا أحدٌ في الحفل غير الاحتراقْ../كان حفلاً أُمَمِياً إنَما قَدْ دُعِيَ النفطُ ولم يُدْعَ العراقْ)
إن الاحتفال بالعام الجديد سئ المذاق إذُ خلا من اللحن العراقي ولو خالطه الحزن ليطل سؤالي الثالث .. ألا يستطيع العرب عقد”حلف الفضول”الذي أوقفت به”قريش”حروب الفجًَار المنتهكةَ الحرمات مثلما يحدث في”السودان”التي يجهل العرب مجازرها ليأتي الختام موغلا في الحزن الشفيف شاكيا عجزه عن التكيف مع الأردية الغربية راجياً العفو من الله
(يا إلهي..رغبةٌ أخرى إذا وافقتَ..أن تغفرَ لي بُعْدِي وأُمِّي..والشُجَيراتِ التي لم أسْقِها منذُ سنينْ/وثيابي ..فلقد غيرتُها أمسِ بثوبٍ دونَ أزرارٍ حزينْ/
صارتْ الأزرارُ تُخفي..ولذا حذّرتُ منها العاشقينْ/لا يقاسُ الحزنُ بالأزرارِ بل بالكشفِ..إلا في حسابِ الخائفين..)
الشاعر محمد الشربيني
اقرأ ايضًا: