طارق الحريري يكتب: تسعون سنة من العمر سبعون عامًا من المجد
بستان وارف من الإبداع النادر أتحفت به فيروز آذان كل من يتحدث لغة الضاد، فى عام ميلادك التسعين متعك الله بالصحة والعافية، لا يملك من يحترم الفن الراقى والغناء الذى يحلق بالمستمع فى فضاء متعة التلقى إلا أن ينحنى احتراما لموهبتك وعطائك، لقد استطاعت هذه الساحرة أن تنحت للأغنية مسار خاص بها، لا يشاركها فيه أحد، إنها واحدة من الجيل الذهبى للغناء فى لبنان، وهى الآن بارك الله فى عمرها من أقدم الفنانين فى العالم، ولدت نهاد وديع حداد وهذا هو إسمها الحقيقى فى 21 نوفمبرعام 1934 في قضاء الشوف بجبل لبنان حيث نشأت فى حارة زقاق البلاط فى الحي القديم المتاخم للعاصمة اللبنانية بيروت.
بدأت رحلة الغناء فى عمر الرابعة عشر عندما اكتشفها فى إحدى الحفلات المدرسية الملحن اللبنانى الشهير “محمد فليفل”، كى تبدأ من هذا السن المبكر رحلة الصعود لتتبوأ مكانة عظيمة فى دنيا الغناء العربى، ارتباطها بالأخوين رحبانى جعل منهما معها كيان فنى مؤسسى نادر التكرار لم يكن له مثيل من قبل فى لبنان أو غيره، مؤسستهم تلك تبنت مشروع إبداع وطني وإنساني، ،وكانت القاهرة الأسعد حظا فى حفلاتها الخارجية، فقد زارتها فيروز عدة مرات غنت فيها على ضفاف النيل وعند سفح الهرم، واختصت “أرزة لبنان” مصر بأعنية “مصر عادت شمسك الذهب”، يلقبونها فى لبنان “العمود السابع لبعلبك” مثلما نصف فى مصر أصحاب الأمجاد بالهرم الرابع، لكن اللقب الذى شاع أكثر واشتهرت به هو “جارة القمر” لما أضاءت به الغناء فى سماء الطرب من عذوبة تشبه إطلالة القمر ببهائه وجماله.
اتصفت أغانيها ببساطة الكلمات إلا أنها كانت ذات مضمون عميق المعنى فى جوانب الحب والوطنية، وكذا تميزت بالأغنية الحدوتة متنوعة الموضوعات، وفى الوقت الذى كانت فيه الأغنية العربية تتسم بالطول اعتنقت منهجا ثوريا جديدا تبنت فيه الأغنية القصيرة على عكس السائد وقتها، الذى لا يعرفه الكثيرون أن عدد كبير من أغانيها أتت من المسرحيات التى مثلتها، لها 17 مسرحية تنوعت موضوعاتها مابين تيمات الحب المختلفة وتمجيد البطولة ونقد الحكام وأخطاء الشعوب.
شدت فيروز لموسقار الأجيال محمد عبد الوهاب عدة أغنيات هى سكن الليل، سهار بعد اسهار، مر بى، يا جارة الوادى، خايف اقول اللى فقلبى، وغنت لسيد درويش شط اسكندرية، زرونى كل سنه مره، انا هويت وانتهيت، الحلوه دى قامت تعجن فى البدرية، أهو دا اللى صار.
نالت تكريم يليق بمسيرتها الفنية وكان أهمه حب الملايين من مريديها فى العالم العربى وخارجه، حيث صدحت فى أشهر عواصم وقاعات الدول الأوروبية مثل مسرح الأولمبيا في باريس وقاعة ألبرت الملكية في لندن وكانت آخر جولة أوربية فى أمستردام عاصمة هولندا، كما أحيت كثير من الحفلات فى الولايات المتحدة فى سان فرانسيسكو وقاعة كارنيجي في نيويورك ومركز جون كنيدي للفنون التمثيلية في واشنطن، منحتها عدة دول النياشين والأوسمة، كان آخرها وسام جوقة الشرف وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا، تقلدته من ثلاثة أعوام عندما قام “إيمانويل ماكرون” الرئيس الفرنسى بزيارتها فى بيتها، جدير بالذكر أن فيروز رفضت مغادرة لبنان أثناء الحرب الأهلية وصانها الفرقاء من الأذى لأنها الرمز السامق مثل شجرة الأرز.
الكاتب طارق الحريري
اقرأ ايضا:
الناقد أحمد فرحات يكتب: القديم والجديد