دعاء زيان تكتب قصة قصيرة بعنوان” دبدوب عائلة الجوبجى”
دعاء زيان
دبدوبا ،هذا أنا، دبدوب عائلة الجوبجي أو سمينهم كما كانوا يقولونها في وجهي دون حياء، أنا ذي المائة وخمسين رطلا.
ولك أن تحسبها بالكيلوجرامات كم تكون ،أعلم أني ضخم الجثة ولكن لم أختر يوما أن أكون بدينا، تربيت يتيما ،رحل والدي وأنا ابن العاشرة ،تاركا فدان أرض وتسع قراريط وعقار سكني من خمس طوابق ، كان أبي من أبناء الريف . حيث “العز وأكل الوز”، بيتنا كان عامرا بالزاد والزواد ،يأتيه الرواد من كل حدب وصوب، كان أبي “حاتم الطائي” لهذا الزمان لم أر شخصا في كرمه، ولكن أمي لم تكن كذلك فأخذتني وإخواتي، ذهبنا لنعيش في منزل جديد أشتراه لنا جدي بالمدينة، رفض جدي مناداتي باسمي ماهر ولقبني”بديك البرابر”، طوال عمره، لأنني الذكر الوحيد علي أربع زهرات: بثينة، سعدية، نورا وسميرة ، وأنا الصغير الحيلة “آخر العنقود”.
أمي “رضوانة” برغم عشقها للمال ، وحرصها عليه الذي يفوق الحد ،إلا أنها تعطينا ببذخ ، خاصة الطعام، أصبحنا نعاني جميعا من السمنة ، ولكنني انفردت بتحطيم رقم قياسي في عائلة الجوبجي، يبدو أنني سأسجل اسمي في موسعة ” غينتس ” .
سخر مني صديقي” فضل” قائلا : لن أزنك بالكيلو، سأزنك بالرطل، فأصبحت اقلده ساخرا واقتبست منه تلك الكلمة “الرطل “، يبدو أن الكيلو جرامات لن تصيب الهدف إن استخدمت مع وزني .
تعددت الألقاب السمجة ما بين “الجتة” و”سمين” البلدة ، وأظرفها كان “هرقل” ذلك العملاق الضخم الذي أحبه الجميع.
الغريب أن أخواتي لم يفكرن يوما في عمل حمية غذائية، تزوجن وانجبن، وزادت أوزانهن بشكل مهول، ولكنهن راضيات ويخبرن الجميع بكلمة عجيبة تدعي ” كيرفي “، معناها ممتلئة من الوسط والأرداف وأنهن فاتنات بذلك الوزن ولكني لم أفكر يوما مثلهن ،غير أنني أحمل رجلا آخر فوق كتفي.
فتحت التلفاز، وإذ بفيلم ” إكس لارج” يعرض علي قناة روتانا سينما، هل تلك القطعة الإلكترونية اقتحمت عقلي وأدركت ما به،يبدو أن بدانتي تطاردني حتي في أوقات الترفيه. البطل مجدي في الفيلم كان سمينا مثلي، يعاني من الفشل العاطفي والعديد من الأمراض العضوية، وفي النهاية أصبح نحيفا للغاية، ونجح في عمله، لماذا تم ربط السمنة بالفشل؟
لن أكون جذابًا وناجحًا إلا بجسد رياضي ممشوق، وعضلات بارزة وبطن مشدودة عضلة “السكس باك” ، لماذا لا أكون جذابا مع ضخامتي؟ من وضع تلك المقاييس؟ في زمن الرومان كانوا يقدسون الرجل السمين ، ويعطونه هيبته، ويجعلونه قائدا عليهم كما كان ذلك ساريا مع محاربي أسبرطة ، لماذا انتهي ذلك العصر وأصبحت مقياسنا الحجم فقط؟
الغريب أني وقعت في الحب برغم ذلك من فراشة رقيقة، ” زينب”، ابنة عمتي ،وبادلتني نفس الشعور ، تزوجنا في شهرين، زينب حسناء لم ار مثلها في حياتي، كل ما بها فاتن، من إخمص قدميها حتي شعرها الأسود الفاحم المنسدل علي كتفيها ، كيف أحببتِ ضخما مثلي؟!
سألتها مازحا، أجابت: أنني أحمل لحما وشحما زائدا، ولكن كل ما بي من قلب وعقل وجوارح لا مثيل له .
قر الله أعيننا “بحسين ويوسف”.
تؤام متشابه، بعد عام واحد من زفافنا تليهما”رقية” فتانتي الرقيقة، تفرغت لأبوتي ولإدارة شركتي الخاصة في مجال الكيماويات، وتجاهلت تماما حجمي لسنوات طويلة، بعد أن احتفلت بمولد رقية الرابع احتضنتها وغرقنا سويا في سبات عميق إلا أنني استيقظت علي أنين مكتوم وصوت حشرجة فوجدت نفسي اضغط علي وجه رقية بزراعي،كدت أودي بحياتها .
ضاق الكون في عيني، لولا ستر الله لفارقتنا حبيبتي الصغيرة، كل ذلك من الرجل الذي أحمله، ولابد أن أتخلص منه ، ذهبت لعيادة طبيبة وقررت عمل عملية تكميم معدة وفعلتها ولكن لم تجد نفعا، حمية تتبعتها حمية، نظام غذائي صارم ،بدأت أزيد لا انقص في الوزن، هزمني الاكتئاب ، أغلقت الأبواب، لا يوجد حل، أمتنعت عن احتضان أطفالي عند النوم، حتي زينب تركتها تنام وحيدة حرصا عليها.
رأيت “جلجل ” وأنا في سيارتي متجها للعمل، أعرفه منذ الطفولة رجلا بسيطا سمحا يحمل المبخرة في يده ويرتدي جلبابا واسعا أبيض اللون وعلي رقبته يلف سبحة كبيرة خشبية بنية اللون، يجوب الشوارع والمحلات وهو يردد عبارات غريبة ،نزلت من سيارتي ،وقفت لأحواره لدقائق ،العجيب أنه لم ينتبه لأي شيء من حديثي . ردد عبارة جديدة وكررها عدة مرات” اطْعِم تُطْعَم يا ابن آدم “اطْعِم تُطْعَم ” وانصرف، العبارة أصبحت تقرع أذني قرع الطبول ، ماذا تقصد يا “جلجل” ؟
فجأة فهمت مقصده، ذهبت لطبيب مختص فجهز لي برنامجا ضخما بكل ماهو صحي ومفيد كوجبات، لن أستخدم العقاقير ،عدت إلي منشأي، أخذت أجوب الطرقات باحثا عنهم ، وصلت لثلاثة في البداية ثم أصبحوا خمسة حتي تجمع كل من يشبهنا، جهزت الطابق السفلي من منزل والدي القديم .
كان المقر ، أحضرت طباخين مهرة من القاهرة لتحضير الوجبات الثلاث، كل شيء أصبح جاهزًا ، ذاع الصيت وأتي كل بدين معدم،ليتبع حمية غذائية سليمة مجانية، عم الفرح كل قلوب الفقراء حتي شملت قلبي بعدما خسرت خمسين رطلا بدون أن اتبع تلك الحمية، يبدو أنك كنت محقا يا جلجل.
اقرأ ايضًا:
محمد رمضان يمنح 5 مليون جنية لمن يخمن اسم أغنيته في مدة أقصاها 3 أيام