غرام الفقهاء
الحب غريزة فطرية تغمر المرء، وهو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع. الحب قدر مكتوب، وسر من أسرار القلوب، يعلمها رب النفوس. يستوي فيه العارف وغيرالعارف، الفقيه والسفيه؛ فالكل في حرم الحب سواء.
ونحن لا نملك المصادرة على ما يقال في الحب أو غيره لكننا نملك الحكم والتقييم.
ليس الفقهاء قديسين، ولا منزهين عن الوقوع في الحب، فهم مثلنا يحبون، يتألمون، يشتهون، يذوبون لوعة وغراما.
غرام الفقهاء
ولا تغرنك لحاهم الطويلة، وكلامهم الناعم، ولا ملابسهم الفضفاضة، حتى الحجاب، أو الخمار للنساء فهن بشر مثلنا يفري حشاهن الحب ويقلب ليلهن نهارا!
أحب الفقيه الإسلامي الكبير ابن حزم جارية قال عنها: إني كنت أشد الناس كلفًا، وأعظمهم حبًا بجارية لي، كانت فيما خلا اسمها نُعم، وكانت أمنية المُتمني وغاية الحسن خَلقًا وخُلقًا وموافقة لي، وكنت أبا عذرها، وكنا قد تكافأنا المودة، ففجعتني بها الأقدار، واخترمتها الليالي ومر النهار، وصارت ثالثة التراب والأحجار.. وما طاب لي عيش بعدها، ولا نسيت ذكرها، ولا أنستُ بسواها. ولقد عفى حبي لها على كل ما قبله، وحرم ما كان بعده.
أما ابن عربي الصوفي فقد تزوج ثلاث مرات، وأحب واحدة، وتوزعت حياته الخاصة على أربع نساء، وأنجب بنتا ماتت قبل أن تذهب إليه في مكة، وماتت زوجه الأولى مريم بنت عبدون، وقال عندما علم بوفاة زوجه: ورحت أطوف وأطوف، سبعا، عشرا، مئة ومائتين، ألفا وألفين، لا أقف إلا لأداء الصلاة المكتوبة ثم أكمل الطواف، انتصف الليل، طلع الفجر، بان الصباح، فتحت الحوانيت، ازدحم المكان، اشتدت الحرارة، انكسر الضوء، زال النهار، غربت الشمس، انصرف الباعة ، سكن المسجد، تهالكتُ وصار مشيي وئيدا، شعرت بالدوار، اتكأت على جدار الكعبة، ورحت أجر قدميّ جرا، لم أعد أرى ما أمامي ولا أسمع من بجانبي، سقطت وأظنني نمتُ على شاذروان الكعبة. واستيقظت على آذان الفجر، يومان وأنا أطوف..صليت وجلست أتأمل الكعبة وأهتم بإكمال الطواف وقدماي تصرخان من الألم والتعب..
الناقد أحمد فرحات يكتب: رواية اليوميات
لكنه وقع في حب نظام، فتاة إيرانية جميلة، لم يتزوجها لأنها كانت وتدا له، والأوتاد لا تتزوج، فلم يطق كثيرا حتى تزوج من فاطمة ، ثم صفية وأنجب ولدا.
يقول عن حب نظام الإيرانية: .. وأطلت نظام، بلا خمار، شعرها منسدل على كتفيها، كأنه شلال من اللوز، رأيت وجهها لأول مرة كاملا دون أن يغطي خمارها جزءا منه، فكأن عينيها اتسعتا أكثر، وشفتيها امتلأتا أكثر، وخدش صدغها تحول إلى عش يطل منه عصفور لا يطير..
ويقول عن زوجه فاطمة: ..بوسعي أن أعتزل النساء جميعا وأنصرف إلى درسي وكتبي وأختلي بالله أياما أطول. ولو لم أفعل، وأبقيت فاطمة معي، فلا أظن شيئا يتبدل. إنها على صلاحها وطاعتها وخدمتها لا تكاد تقول شيئا. لا تكلمني ولا تدللني، ولا تقدم لي أكثر مما تقدمه أي زوجة لأي زوج في أي صقع من الأرض: طعام وخدمة وفراش فقط. فلا أنست بعلمها كما أنست بعلم مريم بنت عبدون ولا اشتهيت كلامها كما اشتهيت كلام نظام بنت زاهر. إنها امرأة سهلة التعويض!
وفي الحديث أحب الشيخ القرضاوي حسناء جزائرية، وهي اسم على مسمى، له فيها أشعار تنبض، وحروف تتنفس، يقول فضيلته عن حسنائه: «لقد شاء الله أن يتطوّر الإعجاب إلى عاطفة دافقة وحبّ عميق، لا يدور حول الجسد والحسّ، كما هو عند كثير من الناس، بل يدور حول معانٍ مركبة امتزج فيها العقل بالحسّ، والروح بالجسم، والمعنى بالمبنى، والقلب بالقالب، وهذا لا يعرفه إلا من عاشه وعاناه، هكذا هو الحب جنون، والجنون فنون، والحياة شجون ولله فى خلقه شؤون».. (من مذكرات الدكتور يوسف القرضاوى).يقول فيها شعرا رقيقا..
ذبحتنى ثم راحت وهى بالعين هنية
لم تكن تدرى بأنى بتُ للحب ضحية
تخذتنى شيخها، هل يعشق الشيخ الصبية؟
وتلاقينا وللأعين أقوال خفية..
ومن القلب إلى القلب رسول وتحية
بيننا دوما عزول وقلوب حجرية
ترقب الألفاظ والألسن ظن سوء الطوية
وأخيراً نفد الصبر ولم تبق بقية
وتصارحنا فكتمان الهوى يدنى المنية
وتقاسمنا هوانا وشجانا بالسوية..
هذه الأبيات من قصيدة كتبها الفقيه القرضاوى فى حب طليقته الجزائرية أسماء بن قادة. ونشرت «أسماء» رسالة القرضاوى الغرامية والقصيدة الطويلة.
لتعلم يا صاحب الفكر الأنيق أن بين ابن عربي وابن حزم والقرضاوي ألف فقيه وفقيه «وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب يهرب ويستحيل لونه… ولا شفاء له إلا بلطف يقع له من رب العالمين… فهذا هو الداء الذي يعجز عن معالجته الأطباء».
اقرأ ايضا: