الشيخ أشرف محسن يكتب: منظومة فكرية كاملة

منظومة فكرية كاملة

بعض الناس يحسب أن الدين هو مجرد علاقة بين العبد وربه، وبعضهم يظنها مجرد علاقة قلبية فقط، ولا يترتب عليها أعمال، لكن هذا فهم خاطىء لتصور الدين، وبعضهم قال هذا تقليدا للغرب فى فهم الدين وما هو وما شأنه فى حياة الناس؟ ولكن الدين علاقة كاملة شاملة لكل جوانب الحياة من صغيرها وكبيرها.

أما ما يتعلق بالدين فتفصيل بيانه نزل به الدين، فالعبادات كلها من وحى الله تعالى الذى نزل به رسوله، وكذلك ما يتعلق بالإيمان ومسائله الست، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وكل ما يتعلق باليوم الآخر من البعث والحساب والصراط والجنة والنار..الخ كل ذلك شأنه بكامله نزل به الدين، عملنا فيه هو الفهم والإيمان والبحث عن الحكم، ولا اجتهاد فى هذا كله.

وأما ما يكون من معاش الناس وسلوكياتهم وتعاملاتهم، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، فمن الأسرة الصغيرة إلى الكون كله مرورا بالعائلة والقبيلة والدولة أو القطر الذى يعيش فيه، وما يكون من علاقات سياسية واجتماعية واقتصادية..الخ فكل هذا له بيان فى الشرع الذى أنزله الله.

ولكن يختلف بيانه عن مسائل العبادات ومسائل الإيمان، ذلك أن هذه الأمور التى عليها معايش الناس وسلوكهم، فإن الله ضبط ذلك كله بقوانين عامة – غير تفصيلية – بما يجب فى كل موضوع وكل مسألة مما يعرض فى سلوك الناس.

فتصور أن الدين لا علاقة له بالدنيا مطلقا، تصور غير صحيح مطلقا، نعم هناك ما يتعلق بعمل الإنسان واجتهاده وما فتح الله عليه من العلم بالكون، وتسخير الأسباب، واكتشاف صناعات وعلوم وحرف ..الخ بعيد عما يأمر به الشرع وينهى، لكن الأصل أن القانون العام مرجوعه إلى الشرع.

فمثلا فى السياسة، لا يوجد فى الإسلام أبدا مقولة: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، هذا غير موجود بتاتا، بل إن القوانين العامة المنظمة للسياسة، سواء كانت دوليه – علاقة الدول بعضها ببعض – أو محلية – علاقة الحاكم بالمحكوم- وما يترتب عليها من توزيع المهام وكيفية إدارتها إلى غير ذلك، فإن الشرع حدد مهام للحاكم، ومهام للمحكوم، ووظيفة لهذا ولهذا، ورباط عام يربط بين تلك العلاقات بعضها مع بعض، فلا يفعل كل أحد ما يشتهى على حسب هواه، فجعل القواعد العامة فى اختيار الحاكم من الحرية والاختيار وضرورة تنصيب حاكم وشورى وهى ممكن أن تكون بطريقة الانتخاب أو بأى وسيلة ارتضاها الناس لتفعيل الشورى، وجعله صاحب مسؤلية، فاعل ومفعول، فهو فاعل بصفته الحاكم أو مفعول بصفته نائب عن الأمة فى مصالحها.

عقد المعاهدات وإبرامها، ترك فيها مساحة هائلة تقوم بها الساسة، بشرط الوفاء بالعهود والحفاظ على الدين وعدم تضييعه، وألا تشتمل هذه المعاهده على خيانة أمانة أو تضييع مصالح الناس ومعاشهم، ثم له أن يعقد ما يشاء.

فى الحرب أمر الشرع بمجموعة أوامر عامة فى وقوع الحرب، منها الكف عمن كف وعدم التعرض له، عدم الإجهاز على جريح، وعدم المثلة وهى التمثيل بالميت، بل بدفنه، ومعاملة الأسرى بالإحسان .. إلى غير ذلك من الأمور العامة، ثم جعل الخطة وآلة الحرب وكيفية تنفيذها وتطوير السلاح من دبابة وطائرة ومدفع ..إلى غير ذلك فجعل فيه سعة بل أمر بتعلم العلم الذى يمكن من تصنيع ما به يحفظ على الناس معايشهم ويحفظ أرواحهم وأعراضهم وأموالهم.

هذا مثال يصدق عليه بعدُ كل مثال، فما قيل فى السياسة يقال فى الاقتصاد والاجتماع وغيره من هذه الأمور.

منظومة فكرية كاملة

اقرأ ايضًا:

الشيخ أشرف محمد محسن يكتب: لا يمكن الثقة بهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى