أليس جابر تكتب: أحلام

أليس جابر تكتب: أحلام
تثاقلت خطاها وهى تدخل غرفتها ، أمسكت بقلم الكحل الأسود القادح وبدأت تخط ببطء على أطراف جفونها .
شدت الخط الواضح ثم شدته ،حتى أذنها .

وعلى الجانب الآخر فعلت بعينيها اليُمنى الشئ نفسه، وضعت القلم جانباً ، نظرت لعينيها مباشرة فى المرآة ، تذكرت سخافة المشهد المتكرر، مرارة أن يزوها غريب يجالسها بالمندرة ساعه .. ثم يقول فى آخر الزيارة:
هنرد عليكو مع عنايات .

صاحت أم بدر فى عنايات بائعة الزبدة: ياللى تنضربى فى بطنك … دى خامس وزَّه أديهالك والعريس يطلع أى كلام، هو أنا مغسّلة وضامنة جنة ياست الستات، أنا بعمل اللى عليَّا والباقى على الله، وإن كان من نصيبها يبقى هايدخل البيت ومش هايطلع تانى.

أحترفت أمى سياسة الأوز مع عنايات، لكن ما من نتيجه ، يبدو أن أمى تشعر بالذنب تجاهى، كانت تُعطل زواجى فيما مضى طمعاً فى الوَنس، الآن ترغب فى السفر إلى بدر فى بلاد برَّه، لكن كيسا من الرمل مربوط بقدميها ، وتستحى تركى بلا رجل، كانت فى بادئ الأمر تتفاخر بى على إخوتى: كلكوا سبتونى وهجرتوا البلد، الله يخليها أحلام هى اللى بقيالى.

حين يتخطى عُمر الفتاه التاسعه عشرة ينظر لها أهل القرية على أن قطار الزواج قد تخطاها ، فما بالكم بفتاه تخطى عمرها الثلاثين ؟! ليس حيلتها سوى احلام اليقظة.

استحسنت أحلام أن تستعمل الكحل فى رسم مزيد من الخطوط على وجهها ، وكأنها طفل يخط بألوانه على حائط، أصبح وجهها كحالتها النفسيه .. وقد صنع به الكحل كما تصنع قطه ببكرةٍ من خيوط الصوف.

بكت أحلام وأحالت دموعها وجهها الى ساحة من الوحل ، تذكرت مرارة انتظارها لرد الغريب الذى دائماً ما يكون ” مفيش نصيب “.

جملة تحولهن الى كائنات حساسة عنيفة ، حاقدة على البنات الصغيرات اللائى كان حظهن أوفر منهن، خطر ببالها أن تزور الهويس البحرى، وهو مكان سيئ السمعة، فما من عاشقين فى القريه إلا وتقابلا فى هذا المكان البعيد عن الأنظار .

كانت الساعة الحادية عشر صباحاً فى نهار شتوي، أتمت مهامها المنزلية، وجال بخاطرها حلم زيارة الهويس، دون تردد وضعت طرحتها على رأسها، وفى خطى سريعه قطعت الطريق الى هناك.

مكان واسع مُنعزل، تتدفق فيه المياه من وقت لآخر، إلا انه مغلق الآن، عم الصمت التام المكان إلا من بعض النباح للكلاب الضَّالة.

اقتربت أكثر لربما تتبارك بمكان العشاق وتصلى صلاة العرسان وتنال ما جائت من أجله ، لكنها سمعت أصواتاً جعلتها تتوارى، إنها أزهار بنت الحاج مدبولى.. معها غريب لا تعرفه، لكنه وسيم، لم تستطيع أن تميز الكلمات لكنه مشهد لا تخطئه العين أبداً، إنهما عاشقان، تأملتهما من مخبئها والنار تأكل قلبها، قالت فى نفسها:
” إنها صغيره جدا .. وهو كذلك أيضاً “.

غاصت فى أفكارها الحزينة، ندبت حظها على ما فاتها من عُمر، وما ضاع عليها من مشاعر بفعل الالتزام والواجب والتزمت، أفترق العاشقان ، وما هى إلا أيام وكان خبر زواج أزهار يعم القرية.

دق الباب
عريس أرمل لديه أربعة أطفال، والمرة التى تليها عريس أعرج، والتى تليها عريس قزم من إحدى القرى المجاورة وكان الرد على لسان أمى فى كل المرات …” مافيش نصيب ” .
تخطى عمرى الأثنين والأربعين.

منذ عامين سافرت أمى مُضطرة للعلاج إلى أخى بالخارج وبقيت وحدى بالقرية، هناك بعض المناصب الألقاب التى يطلقها الناس على بعض قاطنى القرية، فتجد مجنون القرية، وداية القرية، وحلاق القرية،كنت أنا بلا منازع عانس القرية.

فى كل مساء أتزين وأرتدى ما ادّخرته من قمصان حريريهة كنت أظننى يوما سأحتاجها ، أجلس ، أحادث الهواء وأقول له كلاماً فى الغزل ، أطلق عليه أسماً محدداً… ” رمزى “، الغريب أن رمزى له نفس ملامح زوج أزهار بنت الحاج مدبولى، دائماً ما نتشاجر أنا ورمزى، لكنه يشعر بخطئه ويأتى معتذراً .

أكله قليل جدا على غير عادة الرجال، يحب مشاهدة الأفلام الفاضحة ويجبرنى على ذلك، عنيف جداً فى العلاقة الحميمية، أحياناً تنتابه نوبات غضب فأجد نفسى فى صباح اليوم التالى وقد لطخ وجهى بأقلام الروج والكحل وجعل منى بلياتشو .

أقول لنفسى .. الى متى سأحتمله ، هل أطلب الطلاق ؟ لكننى فى النهاية أستغفر الله وأردد : ” كل المتجوزين كده “.

أليس جابر

اقرأ ايضا:

قراءة في كتاب “كلام ابن عم حديت وكلام زى الخمر” للكاتبة اليس جابر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى