” أول حضن صادق” قصة قصيرة للكاتبة منى ياسين
منى ياسين
لطالما حلمت بأن أمتلك حصانًا، كنت كلما رأيت فارسة، أتخيل نفسي مكانها، بشعر يتطاير مع الرياح وجواد يحملني بكل ثقة وقوة. تخيلت نفسي أمتطي حصانًا بني اللون، بسيط الجمال لكنه مميز بروحه. كان الحلم دائمًا يداعب مخيلتي، حتى وجدت نفسي يومًا قريبة من تحقيقه بطريقة لم أتوقعها.
في إحدى الليالي الباردة، خلال رحلة إلى سيوة، زرت كهف الملح مع مجموعة من الأصدقاء. كان من المفترض أن ندخل الكهف على دفعتين، حيث يُدفن الجسم في الملح، لكني قررت أن أبقى في الخارج وأستكشف المكان. الهواء بارد، والصمت يلف المكان، فبدأت أمشي ببطء، أراقب التفاصيل من حولي.
بينما كنت أتجول، لفت انتباهي مشهد مزرعة صغيرة على أطراف الكهف. اقتربت بفضول لأجد حصانين، أحدهما بني اللون والآخر أبيض. عيناي لم تستطع أن تترك الحصان البني؛ كان بسيطًا في جماله لكنه أسرني بوجوده. على عكس الأبيض، الذي بدا وكأنه لوحة مرسومة بجماله الفائق، شعرت بانجذاب خاص نحو البني.
وقفت أمامه، أراقبه بعينيّ وأتحدث إليه بكلمات عفوية، محاولة أن أخلق رابطًا بيننا. نظرت حولي، فوجدت دلوًا فارغًا. خطرت ببالي فكرة أن أملأه بالماء ليشرب. فعلت ذلك، وعندما رأى اهتمامي به، بدأ يقترب بحذر. شرب قليلًا، وأنا أقف بجانبه أتحدث وأنتظر.
بينما كنت غارقة في لحظتي مع الحصان، ظهر الحارس فجأة ليطمئن على وجودي. عرّفني على الحصانين، وهنا كانت المفاجأة. الحصان البني الذي ظننته ذكرًا، تبين أنها أنثى، حامل واسمها رهف، أما الحصان الأبيض، فهو شقيقها واسمه عنتر.
شعرت بفرحة غامرة عندما علمت بذلك، وركزت كل اهتمامي على رهف. تحدثت إليها بلطف، محاولة أن أكسب ثقتها. كنت أراقب كل حركة منها، كل نظرة، وكل صهيل. في تلك اللحظة شعرت بشيء مختلف، وكأن بيننا لغة خفية لا تحتاج إلى كلمات.
مع مرور الوقت، بدأت رهف تتقبلني أكثر. عندما تعبت من الوقوف، عدت للجلوس مع أصدقائي، لكن فجأة سمعت صهيلها. كان صهيلًا مميزًا، وكأنها تناديني. انتبهت لصوتها، وعدت إليها دون تردد. الحارس كان قد أخبرني أنها تنادي عليه عندما تحتاج شيئًا، لكن في تلك اللحظة شعرت أنها تناديني أنا.
اقتربت منها، وبدأت أجرؤ على لمسها وإطعامها. كنت مترددة في البداية، خائفة من أن تخطئ يدي طريقها أو أن تكون ردود فعلها مفاجئة. لكنها كانت تمنحني الأمان، تقترب برفق، وتبتعد قليلاً إن شعرت بترددي. شيئًا فشيئًا، أصبحنا أكثر قربًا، وبدأت أضع يدي على شعرها، ألعب به، وهي تقف بهدوء وكأنها تستمتع.
عندما حان وقت الرحيل، شعرت أن الفراق سيكون أصعب مما توقعت. نظرت إليها والدموع تملأ عيني، ثم وجدتني أحتضنها. كان ذلك أول حضن صادق شعرت به في حياتي. رهف لم تخذلني، بل حاوطتني برقبتها وكأنها تبادلني المشاعر. همست لها بصوت متهدج: “لا تنسيني، أنا أحبك”.
قبل أن أودعها، طلبت من الحارس أن يُطلق اسمي على مهرها القادم إن أنجبت أنثى.
غادرت وأنا أشعر أني تركت قطعة من قلبي هناك، لكنها كانت لحظة لن أنساها أبدًا. رهف لم تكن مجرد حصان بالنسبة لي؛ كانت صديقة، ورفيقة، ودرسًا في العطاء والتواصل الحقيقي.
منى ياسين