تبارك الياسين تكتب: ترجمة

تبارك الياسين

بسرعة أنهى خالد عشاءه المكون من بيض مقلي وقليل من الزيتون وبطاطا مسلوقة ، سألته والدته قلقة إن كان قد شبع حقا .قبّل رأسها مجيبا بنعم، ودخل إلى غرفته الصغيرة غرفة بسرير حديدي، وسجادة صغيرة قديمة شاحبة بهتت ألوانها، ومكتب صغير مع كرسي خشبي اشتراهما بسعر زهيد من محل لبيع الأثاث المستعمل، وقتها شعر بسعادة عارمة وأنه أصبح يملك مكانًا خاصًا له لينشئ مملكته الخاصة من الكتب والروايات التي يعشقها.

الكتب التي تحتل مساحة كبيرة من غرفته على الأرض، وبجانب السرير، وفوق مكتبه.

يرافقه حلمه بأن يكتب رواية خاصة به، حلم مؤجل حتى يتقاعد ويتفرغ لها، وبين أوراق فواتيره والديون المتراكمة على المكتب، وكتبه وجهاز حاسوب قديم، حاول التركيز جيدًا ليترجم الرواية التي أمامه…
“سم أسود” كان ذلك اسم الرواية مكتوب بخط عريض، وتحته اسم كاتب لم يسمع به يومًا “الكساندر جيركوف” وغلاف الرواية لوحة فان جوخ “السماء الزرقاء” …كان قد نسي أمر الرواية وترجمتها، لم يذكّره بها سوى رسالة من الناشر تذكره بموعدهم .

مد ساقه اليمني علي مسند صغير، كانت تؤلمه قليلًا. ساقه العرجاء التي يكرهها، وقبل أن تمتد يده ليقلّب الرواية دخلت والدته الغرفة متذمرة:
– سأخلد للنوم هل تريد شيئا قبل أن أنام؟
-لا شيء ولكن ما الأمر، لمَ انزعاجك؟
-لقد فاتني أيضا إعادة المسلسل التركي، ولم أشاهد الحلقة الأخيرة، غفوت بينما كنت أشاهده، وخالتك أم عبد الله لم تشاهده أيضا، والآن كيف سأعرف النهاية؟
-جارتنا أم أشرف؟
-صحيح، سأكلمها غداً، وأعرف التفاصيل، تصبح على خير الآن.
أمه في السبعين من العمر، وهو ابنها الوحيد الذي أنجبته بعد عشرين عامًا من زواجها، كان طفلا بإعاقة في قدمه، القدم التي حطمت حياته وجعلته رهينة لها.

لم يستطع أن يعيش مثل بقية الأطفال في الحارة، لم يلعب معهم الكرة، لم يسابقهم، قضى حياته محمولًا على ظهر والده من طبيب إلى آخر، وعمليات لا تجدي نفعا.. توفي والده تاركًا لهم حافلة صغيرة، وديونا صغيرة بعد أن باع شقتهم الصغيرة في الرصيفة، واستأجر شقة في ضاحية الرشيد القريبة من جامعته، أنهى تخصصه في المحاسبة وعمل في شركة، وبعد سنتين تعلم اللغة الإنجليزية في معهد قريب من منزله.

توفي والده قبل ثلاث سنوات قبل أن يحقق أمنيته بأن يرى أحفاده. لم تيأس أبدا أمه من البحث عن عروس له، وكلما رجعت خائبة كانت تردد المقولة نفسها: “فتيات هذا الزمن لا يفهمن”.

فتاة واحدة أحبته، ابنة جيرانهم دانة، ولكن ما إن اكتشفت أمها هذا الحب حتى منعتها من زيارتهم، ولم تمر سوى عدة أشهر على اختفائها حتى زفت إلى رجل آخر. رفضت أمه الذهاب إلى العرس، وبكت كثيرًا لزواجها. أما هو فلم يكترث كثيرًا.

لم يشعر تجاهها بأي شيء، كان يراها طفلة صغيرة مثل أخت له. هي في العشرين من العمر وهو في الثلاثين. هو لم يكن يبحث عن زوجة، بل إن فكرة الزواج كانت مستبعدة… وفكرة إنجاب أطفال كانت تزعجه؛ فهو لم يكن يرغب بالمجيء لهذا العالم، أنجبوه غصبًا عبر أنبوب. أحضروه معاقًا لعالم مشوه.

الفتاة التي يرغب بها كانت في خياله فقط، لم يجدها في عالمه الواقعي، أو حتى من خلال الكتبالكتب التي أدمن قراءتها منذ صغره، حتى اختنقت غرفته بالكتب. كان مهووسًا بكافكا وأحب رسائل ميلينا إليه، في كل رسالة يقرأها كان يحلق عاليًا. كان يعلل سبب حبه لتلك الرسائل بأنه من برج الحوت.

بحث في درج مكتبه عن علبة السجائر، أشعل سيجارة، وفتح دفترا صغيرا ليسجل ملاحظاته حول الرواية، فهو يريد قراءتها أولًا بسرعة قبل أن يقوم بترجمتها…تنهد وألقى ظهره للخلف لترتاح ساقه أكثر…
“الإهداء إليها ”

فقط كلمة واحدة كان الإهداء، مقتضب وبسيط جدًا. دونّه على دفتره وفي الصفحة الثانية كانت هناك مقدمة من بضع كلمات:
“هذه الكلمات هنا لك وحدك، لعلك في يومٍ ما ستقرأين، على الرغم مما بيننا من اختلاف، كتبت هذه الرواية لأني أعرف أننا سنلتقي في حياة أخرى ولأصحح ما اقترفناه”.

قلب خالد الرواية الصغيرة ولم يجد سنة الطبع، ولا اسم دار النشر. فتح حاسوبه وبدأ يبحث عن اسم الرواية والكاتب في محرك البحث ولكن دون جدوى…

بدأ الفصل الأول:
صرخ لايفنسكي محاولًا منع ناديا من عبور الطريق السريع. صوته كان عالياً، لكن ناديا لم تلتفت إلى الوراء وظلّ هو متصلباً على رصيف الجهة الأخرى. راقبها بجسدها النحيل، وشعرها القصير الأسود وعينيها الزرقاوين.

ابتسم خالد عندما وصف الراوي ناديا فهو كان قد اقترب من وصف الفتاة التي يحلم بها، فتاة بشعر أسود قصير وعينين زرقاوين.
المدينة التي تجري فيها أحداث الرواية كانت مدينة في رومانيا اسمها تيميشوارا بحث عنها في محرك البحث ليجد أمامه معلومات ساحرة عنها، قلب في صور المدينة ثم جفل عندما ظهرت فجأة فتاة بشعر أسود قصير، لوّحت له من بين الصور واختفت …

“أريد أن استلقي بهدوء بلا مبالاة بأحد، أرتشف قهوتي على مهل، وسيجارتي أخمدها ببطء، كي احتفظ بآخر أنفاسها داخل رئتي. أتناول رواية قديمة، أتصفحها بلا تركيز، وإن جئت وسألتني عما أشعر به، سأجيبك بأنني أشعر بالامتلاء ولا شيء يزعجني، لا شيء يثير قلقي، لا دماء على الشاشة، ولا طفل يصرخ خوفًا، جوعًا وألمًا، لا شيء يثير ريبتي وإن كل ما أحتاجه هو أن ألتصق بك.
ما أريده اليوم هو أن أرتشف قهوتي وأكذب”
كانت تلك رسالة ناديا لحبيبها لايفنسكي بعد مشادة عنيفة حصلت بينهما، تركت تلك الرسالة على طاولة المطبخ، وخرجت لتتسكع في الشارع وحدها، عندما لم يكن لايفنسكي موجودًا في البيت. كان قد غادره مع عازفة كمان. تنهد خالد قليلًا، ثم أشعل سيجارة أخرى، وحدق في السقف متابعًا صعود الدخان إلى الأعلى وتلاشيه. كانت روحه مثل ذلك الدخان تتلاشى عند تلك الكلمات …كره لايفنسكي كثيرًا. رأه رجلًا حقيرًا لا يستحق ناديا، ولم يكن حالمًا مثلها …كانت هي تحب التسكع في الحدائق والسير ليلًا تحت أنوار المدينة، تلتقط ظلها وظلال العابرين …
لم يعجبه كيف التقى لايفنسكي ناديا، لم يقتنع بأنها مجرد صدفة، وأنه رآها من نافذة منزله وهي تتسكع، ولم يصدق ما كتبه:
“النافذة عين ثالثة، تخرج من خلالها رؤانا، تجر خلفها أحاديث الآخرين التي لا نسمعها وبعض القهقهات، شفاه تتحرك ربما تتأوه، من يدري؟! وجوه غريبة أو مألوفة، تترك في الذاكرة مكانا لها.
النافذة الأخرى هي التي تطل علينا بعيون شفافة قاسية، تلقي علينا الموت وأخباره، نلتقط الجثث، نحاول دفنها خارج الذاكرة، خارج الجسد، ونصلي عليها صلاة النسيان، فتأتينا مع كل ريح تحمل اسماً.
نافذة ثالثة تلك التي يطل منها عاشق، يخبرني أن الآخرين وابتساماتهم، وأحاديثهم هي أضغاث نافذة ملونة.
وأن الموت الذي تنثره النوافذ مثل شوك في صدري، سيزهر وردًا تحت يديها،
أشدها إليّ وأغلق نوافذي.
وأهمس إليها:
يا حبيبتي أنى أضعت الطريق في قلبك، افتحي لي فيه نافذة لأسمعك”
لم يكن لايفنسكي يعرف عنها شيئًا، ولم يبالِ بكل اهتماماتها، هي كانت وحيدة حتى وهي معه، أوعلى سريره يمارسان الحب. كانت هي مثل قطعة خشبية بينما هو كان يحاول أن يستنزف روحها لينسج أغنية…لم يكن يحبها …كان خالد في قمة الغضب وهو يقرأ رسالتها، يستشعر ألمها ووحدتها، كانت تشبهه كثيرا:
اعتدت كل صباح أن أمسح غبار الليل عن النوافذ، وأن أمسك هاتفي وأقول صباح الخير إلى شخص لا أعرفه، وأثرثر مع الساعة الناطقة، أخبرها أن الوقت هو مقصلتي، وأقنعها كل يوم أن تتوقف عن اللحاق بي. اعتدت كل صباح أن أنزع السكر من قهوتي، وأرشفها مع شغف الذكريات، وأنزع الحنين للوطن، وأعلقه على جدار النسيان، فينهار بذكرياته فوق رأسي.
اعتدت كل صباح ان أتمنى ألا يأتي الصباح” .
لم يرغب خالد في إنهاء الرواية، لم يكن يريد أن تذوب ناديا داخل الكلمات. كان يقرأ الكلمات بتمعن، يتفحص رسائلها بدقة، يعيدها مرة بصوت خافت، ومرة بصوت فيه بحة من بكاء …لا يمكن أن يجد فتاته الضائعة في رواية ويفقدها هكذا …أدار أغنية لفيروز ونهض إلى المطبخ وهو يعرج، ليعد لنفسه فنجان قهوة.

ساقه تخدرت قليلًا فسار ببطء أكثر. انتظر غليان الماء وهو ينظر من نافذة مطبخه إلى الدالية التي غطت النافذة، وكان ضوء القمر يحاول أن يدخل عنوة، وشعر بقلبه قد ذبل، وصوت فيروز يتأوه في داخله. أنهى إعداد القهوة وعاد مجددًا إلى غرفته، ليسمع صوتًا دافئا من خلفه:
“معرفتي بك ليستْ كما قالت فيروز جاءت على زعل، بل كان بعد أن أمضيت عمري كله في ملاحقة ظل الحب.

معرفتي بك جاءت كشغف طفل يركب الأفعوانية في مدينة ملاهٍ، ليخرج منها وقد أصابه الدوار، الخوف والرغبة للعودة إليها مرة أخرى، تمامًا كما يحدث عندما تحاول رفعي إلى أعلى بين ذراعيك.
معرفتي بك جاءت كعشق منفي لوطنه، أعلن القتال في غربته منذ زمن، ليدافع عن حقه في الوجود، كعشقي في أن أجد مكانًا في قلبك، أنصب فيه خيمة، معرفتي بك جاءت لأغني لك فقط خليك في البيت”.
انتفض، لتنسكب القليل من القهوة على أوراقه وفواتيره. مد ساقه مرة أخرى، وبدأ بمسح القهوة.

تبًا ما هذا الصوت!! لقد بدأ يجن حقا. أعادته الفواتير للواقع قليلًا، لتذكره بأن عليه أن ينهي الرواية بسرعة. يبدو أن خياله بدأ ينسج رواية أخرى. روايته التي يحلم بها…

كان الفصل الثالث كئيباً جدًا، محاولات من ناديا للسفر، لديها هاجس غريب بمساعدة المنكوبين في الحروب. لم يشر الراوي إلى أي حروب تلك، ولم يبين أيضا إن كانت حقا تريد السفر أم الهروب. الهروب من شغف لايفنسكي.

تبارك الياسين تكتب: ترجمةالشاب الروسي الذي جاء ليستقر في رومانيا، عازف الكمان، هوسه بالموسيقى كان جنونيًا، وظن خالد أن شغفه لناديا فقط لأنه كان يبحث عن معزوفة يتفرد بها، وناديا كانت ملهمته وحسب، لم يكن يحبها… ناديا المهووسة بالسياسة التي كانت تخرج كثيرًا في مظاهرات ضد العنف، والقتل والحرب، ومحاولاتها الجادة للبحث عن حياة أخرى، وعندما يئست كتبت لأصدقائها رسالة تتحدث فيها عما تشعر به:
أترقب بصمت كل هذا الفراغ”
كل هذا الشجن
لا شيء معي
سوى دمعة خاطت فوق جفن العين رجفة
لا شيء معي
سوى صورة في ذاكرة هشمتها رياح الوقت
والزمن يملكني، وينزف كاهلي بصخرة الحزن
وأنا لا أملك إلا نشيداً أردده كي أصحو من سكرة الحياة
ودعاء أحمله بين يدي، لعله يكون أهزوجة تتغنى على رفاتي
وزهوراً أحرقتها الشمس، أخزنها في جيبي العتيق، لتنثر بهدوء فوق كفني
لا شيء معي إلا كلمات أرددها وأرددها
وأسير في دنياي كعابرة سبيل، مسافرة
أضاعت مواعيدها ونسيت ما معنى شفاه تضحك ليوم عيد
“ماذا يضير الكون إن جلست وحدي ثملة، وانتقدت بعنف سياسة الظلم، وأشعلت سيجارتي الفرنسية ونفثت من خلالها غضبي كله، لتمر أمامي جثث مكدسة تركتها الحروب خلفنا …؟
ماذا يضير هذا الكون لو تركت التلفاز يقهقه على أنغام خطبة عصماء لقائد انتصر في معركته الأخيرة وهو يجر أذيال الهزيمة؟
ماذا يضير هذا العالم لو شتمت كل تلك البنادق التي نزفت دمًا قبل أن تدخل في أجساد الأبرياء؟
ماذا يضيرني لو في لحظة ما أسقطت عن نفسي كل هذا الألم، وتوقفت عن الجري خلف حلمي.
لم تعد تستهويني السياسة، ولا البحث في كواليسها منذ أن سقطت من التلفاز رصاصة طائشة أصابتني بصداع مزمن.
ولم يعد يروقني تشي جيفارا بعينيه المليئتين بالحرية بعد أن أردوه قتيلًا مرة أخرى أصحاب النظريات البلهاء عن الثورة.
ولا أن أقرأ كتاباً يخبرني عن الوطن، منذ أن وضعوا الوطن خلف جدران الموت وقالوا انظروا إليه من ثقب إبرة.
حقيقة لم يعد يثيرني شيء الآن، سوى يد اتخيلها، وقد امتدت إلي وراقصتني، واشعلت حزامًا من الرعشة حول خصري.
لست متشائمة حين أرى كل هذا السواد في العالم، بل سأقول إن حفلة في المساء بفستان سواريه أسود سيزين هذه الليلة، وسأرقص حتى الثمالة على خيبتنا. لست متفائلة، حين أرى كل هذا الموت، وأخشى أن أردد أنني أموت عشقًا، فتقتلني رصاصة طائشة…
لست متشائمة حين أردد أغنية تشيكيتا
ولست متفائلة حين يمزقني الشوق، والعالم أمامي صورة ممزقة مثلي، وأستمع لأغنية imagine “
رطوبة غطت وجنتيه، أنه يبكي، لمس دموعه باستغراب، فهو رجل لا يعرف البكاء، حتى عند وفاة والده لم يبك، فقط حمل ساقه المعطوبة على ظهره وكأنه شل تماما. كان يعي أنه فَقدَ بموت والده ساقيه وروحه، فَقدَ البريق الذي يشع من عينيّ والده، فَقدَ الأمل الذي كان يمنحه له، أمل لا رجاء منه، ولكنه كفيلٌ بجعل الأيام تمر بسلام عليه. استسلم للبكاء وكأنه يبكي عمره كله. يبكي ثلاثة وثلاثين عامًا من عمره، خيبته ووجعه، ووحدته، وروايته التي لم يكتبها بعد، وحبه الذي ولد اليوم، حبه لشخصية خيالية اسمها ناديا…
تنهد للحظات ليستوعب ما حصل، لا يمكن أن تكون هذه رواية، إنها يوميات مسروقة من حياة شخصين، حياة حقيقية، وليست من صنع خيال الكاتب. أمسك هاتفه النقال واتصل بالناشر وبلا تردد يسأله من أين جاء بالرواية؟
“وجدتها في مطار بيروت على أحد المقاعد، أعجبتني عندما قرأتها، وأردت أن تترجمها للعربية، أظن أن المبيعات ستكون جيدة ولا أحد سيطالبني بحقوق النشر”
أغلق الهاتف وهو يفكر ويتسأل، هل كان كاتب الرواية اليكسندر صديقهما؟ أم إنه هو ذاته لافينسكي.أم إنها ناديا باسم مستعار؟
لا يريد للنهاية أن تقترب، ولم يبقَ إلا بضع صفحات قليلة. صفحات تفصله عن نهاية ناديا.
كان يفكر وصوت فيروز ما زال يشدو في غرفته أغنية تلو أغنية …وعلبة سجائره بدأت تنفد. لن يكملها اليوم هكذا قرر، وضع الرواية جانبا وغطّاها بفواتيره الملوثة بالقهوة،
وعاد ليحدق بالسقف، لينشق السقف وتظهر لوحة فان جوخ بألوانها الصارخة، الأزرق والأصفر. فرك عينيه بقوة ليجد ناديا أمامه تبتسم وتتلاشى …
أمسك الرواية مرة أخرى.
“صرخ لايفنسكي وبدأ بتحطيم زجاجات الخمر التي أمامه عندما استيقظ في الصباح ولم يجد منها إلا رسالة وضعتها على الوسادة:
لا يمكن للموت أن يكون أجمل إذا زيناه بعبارة كان موته جميلًا
ولا يمكن أن تكون الحياة أجمل إذا كان وجهها الآخر هو مشعوذة تستمد سحرها من بكاء المنكسرين على أرصفتها
ولا يمكن أن نكون أجمل إذا ما اعتقدنا أن زيارة المقابر في العيد تفرح الموتى ونحن ننهش أحلامهم التي نبتت فوق السطح
ولا يمكن أن أكون أجمل وأن أملك وجها يتبدل في مواسم قطف الأحزان ”
خرج لايفنسكي شبه عارٍ إلى الشارع ليلحق بها، كان يصرخ بكل قوة ويناديها
وهي تبتعد بخطى سريعة عنه… ”
اهتزت الرواية بعنف ….
شعر بارتطام جسدها بجسده على الطريق وصوت الحافلة كان مرعبًا وهي تسقط جانبًا
صرخ لايفنسكي مجددًا من بعيد باسمها.
لم يأبه خالد لصراخه، انشغل بترجمة النمش الذي غطى وجهها وعنقها وبيده الأخرى ملأ فم لايفنسكي، وكتم صراخه بالفواتير المتراكمة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى