الناقد أحمد فرحات يكتب: نقطتان

الناقد أحمد فرحات

تعاني الصحافة العربية، والإعلام العربي، والتعليم الجامعي والمدرسي في وطننا العربي من الغفلة والإهمال والضعف إثر أمور قد تبدو بسيطة وسهلة ويمكن أن تمر مرور الغفلة نتيجة قارئ ضعيف أو صحفي مهمل أو أستاذ متعجل فيُحدِثُ خللا كبيرا في الفهم، وينبني عليه سوء تقدير للأمور.

فقد جاء في سؤال البلاغة في منهج الثانوية العامة سنة 1995م  في بيت أحمد شوقي:

ولم أخلُ من وجدٍ عليك ورِقة

          إذا حلّ عيد أو ترحل عيدُ

بالعين، والصواب «غيد» بالغين.

وفي ظني وتقديري-الكلام للطناحي-أن الذي أوقع في هذا الخطأ هو مجيء الفعل «حل» خالياً من تاء التأنيث, فظن واضع السؤال أن الكلمة لو كانت «غيد» بالغين, للحقت التاء الفعل, فيكون «حلت», لأن «الغيد» جمع «غيداء» وهي المرأة المتثنية من اللين, ومن ذلك: الغادة, وهي الفتاة الناعمة, ولو قال الشاعر «حلت» لاختل الوزن. وقد نسي واضع السؤال أو مراجعه أن الفاعل إذا كان مجازي التأنيث, جاز ترك تأنيث فعله.

ومهما يكن من أمر, فهذه النقطة التي سقطت من فوق الغين لها تاريخ في تراثنا الأدبي قديماً وحديثاً.

روي أن سليمان بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي كان غيوراً, فقيل له: إن المخنَّثين قد أفسدوا النساء بالمدينة, فكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزموالي المدينة «أن أحص مَن قِبلك من المخنَّثين» يريد إحصاء أسمائهم. فلما وصل الكتاب إلى ابن حزم فقرأ «اخص» بالخاء .

قال الراوي: فدعا ابن حزم بمن عُرف من المخنثين – وكانوا ستة أو سبعة – فخاصهم, فقلت لكاتب ابن حزم: زعموا أنه كتب إليه: أن أحصهم. فقال: يا ابن أخي, عليها والله نقطة إن شئت أريتكها. وقال الأصمعي: عليها نقطة مثل الشمس.

وروي أن أحد المخنثين قال لما اختلفوا في الحاء والخاء: لا أدري ما حاؤكم وخاؤكم, قد ذهبت خصانا بين الحاء والخاء. ولا ينبغي التشكيك في هذه القصة, لأنها مروية بأسانيدها, ولأن هؤلاء الذين خُصوا معروفون بأسمائهم, ويقال في ترجمة كل منهم: «وهو ممن خُصي بالنقطة».

فهذه أشهر نقطة, صَنعت ما صَنعت قديماً.

أما النقطة الثانية فكانت في أوائل الستينات من هذا القرن, حيث أورد الدكتور لويس عوض من شعر أبي العلاء قوله:

صليت جمرة الهجير نهاراً

          ثم باتت تغص بالصلبان

هكذا أثبت الدكتور قافية البيت «الصلبان» بباء, على أنها جمع «صليب», وساق الكلام كله في بيان غلبة نصارى الروم على أهل الإسلام.

وصحة رواية البيت هو كلمة “الصِّلِّيان” بالصاد المكسورة بعدها لام مشددة، مكسورة أيضاً، ثم ياء مثناة من تحت، أي بنقطتين اثنتين. وأبو العلاء يذكر في هذا البيت الإِبل، ويصف ما لاقته نهاراً في البيداء من هجير وظمأ، وما رعت ليلاً من صلِّيان، وهو نبت له جذور ضخمة في الأرض، تجتثها الإِبل بأفواهها فتأكلها من شدة حبها لها، فإذا كانت رطبةأساغتها، وإذا كانت يابسة غصَّت بها، أي شرقت

وقد فجرت هذه القضية بركان غضب عند شيخ العربية أبي فهر محمود محمد شاكر، وأدار عليها كتابه الفذ (أباطيل وأسمار).

فهذان مثالان على البلايا التي جرَّتها النقطة، زيادة أو نقصاً. فانتبهوا أيها السادة لكتابتكم المهمة في مجال الصحافة أو الإعلام أو التدريس أو القضاء .. فالكلمة أمانة في أيديكم.فاحفظوا لها حقها وأمانتها.

الناقد أحمد فرحات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى