في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر، يجد الكثيرون أنفسهم بين خيارين؛ الحفاظ على ميزانية المنزل أو حماية صحة أفراد الأسرة، مما يدفع البعض إلى شراء المنتجات الغذائية منخفضة السعر، بما في ذلك عروض الأغذية التي قد تكون منتهية الصلاحية أو غير معروفة المصدر. ولكن يبقى التساؤل: هل يستحق الأمر هذه المخاطرة الكبيرة؟
في الآونة الأخيرة، أصبحنا نشاهد العديد من المحلات التي تقدم عروضا مغرية على لحوم، وفواكه، وخضروات، بأسعار مخفضة تثير التساؤلات. ففي كثير من الأحيان، تكون هذه العروض وسيلة لترويج منتجات رديئة أو منتهية الصلاحية لتصريفها من المخزون، دون أي مراعاة لسلامة المستهلكين. ومع أن هذه العروض قد تبدو مغرية في البداية، إلا أنها تأتي بتكلفة صحية باهظة تؤثر سلبا على صحة الأفراد والمجتمع ككل.
ويبقى السؤال: لماذا نلجأ إلى هذه العروض؟ صحيح أن الأزمات المالية تجعل البعض يسعى لتوفير أي مبلغ ممكن، إلا أن توفير المال على حساب صحة الأسرة ليس قرارا حكيما. علينا أن ندرك أن الصحة هي أساس الحياة، وأن أي تقصير فيها ستكون له عواقب وخيمة قد لا يمكن علاجها بسهولة. وهنا تأتي المسؤولية، فربنا قال: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”. فلماذا نعرّض صحتنا وصحة أطفالنا للخطر؟
وتتحمل الأمهات وأولياء الأمور المسؤولية الكبرى؛ فهم خط الدفاع الأول لحماية أبنائهم من الوقوع في فخ العروض المغرية والخادعة. ينبغي للأم أن تكون حريصة على صحة عائلتها، وأن لا تنخدع بالأسعار الرخيصة، بل تبحث عن الجودة. ومن واجب الأهل توجيه أبنائهم نحو السلوك الاستهلاكي السليم، والتوعية بأهمية التحقق من صلاحية وجودة المنتجات الغذائية قبل شرائها.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن التوعية ليست مسؤولية فردية بل هي واجب مجتمعي؛ إذ يجب أن تتدخل الجهات الرقابية بقوة وفعالية لوقف عمليات التلاعب بجودة المنتجات الغذائية وضمان سلامة السلع المعروضة في الأسواق. ومن الضروري أن تلعب وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية دورا في نشر الوعي حول مخاطر استهلاك الأغذية منتهية الصلاحية، مما يشكل درعا وقائيا للمجتمع بأسره.
ومن زاوية صحية واقتصادية، يجب على الجميع أن يدرك أن استهلاك الأغذية الرديئة أو منتهية الصلاحية لا يمثل تهديدا مباشرا على صحة الأفراد فحسب، بل له تأثيرات عميقة على النظام الصحي والاقتصادي للدولة. فعندما ترتفع معدلات الأمراض بسبب تناول الأغذية الفاسدة، يزداد العبء على المستشفيات والعيادات، مما يرهق النظام الصحي الذي يعاني أساسا من ضغوط متعددة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن استهلاك المنتجات الرديئة يساهم في تعزيز وجود تجار ومصنعين غير ملتزمين بمعايير السلامة، مما يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة وإلحاق ضرر طويل المدى بجودة الغذاء المتاح في الأسواق، فيصبح المواطن هو الضحية المباشرة.
وفي النهاية، ليس من الضروري أن نلجأ إلى المنتجات الفاخرة أو مرتفعة الثمن، لكن يجب أن يكون الاختيار مبنيا على الوعي والجودة. حتى لو كانت الظروف الاقتصادية صعبة، فإن السلامة الغذائية ليست رفاهية، بل هي استثمار حقيقي للمستقبل. الحفاظ على صحتنا هو أمر لا يحتمل المساومة، وعلينا أن نضعه في المقام الأول.