Site icon مباشر 24

“ربع أنف ونصف أذن”.. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

"ربع أنف ونصف أذن".. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

"ربع أنف ونصف أذن".. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

” ربع أنف ونصف أذن” قصة قصيرة للكاتبة: دعاء زيان

ولدت في غير الأوان ،طفلا مبتسرا، برئة غير مكتملة، لم تكن الحضانات لها وجود في ذلك الوقت، فمكثت في المنزل تحت رعاية جدتي “نعيمة” التي بدلا من أن تداويني ،أهلكتني من فرط الجهل ، أصبت بالصفراء بعد يومين من ولادتي، فأشعلت بجواري “لمبة نيون” ، قالت أنها ستساعدني علي الشفاء العاجل ، تدهورت حالتي وتم حجزي في مستوصف الحي لمدة يومين ، أمتنعت عن الرضاع، يبدو أني كنت أعبر عن غضبي بطريقتي الخاصة . وهنت مناعتي وكبرت هزيلا، عظم قفصي الصدري يمكن رؤيته لكل عابر، وقامتي تقترب من الأرض مثلما يقولون : ” شبر ونص”.
أسمتني أمي “سمسم” كاختصار لسامي ، كم أبغض ذلك الاسم . إن حبة السمسم صغيرة مثل حجمي تماما، لا يحبه الكثيرون، وهكذا كنت، المنبوذ الذي لا يقترب منه أحد، خوفا من كسر عظامه في مناوشة ما أو حتي في لعب رياضة خفيفة.

“ربع أنف ونصف أذن”.. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

مرت السنون، بطيئة كسلحفاة برية عجوز ، وجهازي التنفسي بأكمله كان خصمي اللدود ، رفضت رئتي أن تكتمل حتي مع سن البلوغ ، شمل العداء باقي أجزاءه، أنفي كانت التالية، كأنهما تشكيل عصابي من أعضاء جسدي تآمر ضدي، فقد ولدت بعيب خلقي ، يسمي اعوجاج بالحاجز الأنفي وكان تمهيدا للعينة المسماة “حساسية الأنف”، وبالجيوب التي بداخلها أيضا ،فتصدر أصواتا ليلية، حيث تخرج منها سوائل خاصة عند مواجهة أي شيء يهيجها . أنها لا تتوقف عن النحيب والاحمرار، و الحكة ،كم هي بغيضة ؟!

لم اتجرأ يوما علي وضع عطر حتي في أهم المناسبات ،فرائحته النفاذة كافية لتدمير الاحتفال، فالرشح والعطس سيكون رفيقي إن فعلتها ، ناهيك عن رائحة البخور والدخان و ” السجائر” التي أعلم أنها مميت .

أريد فقط أن أجرب ولو لمرة واحدة، فأنا ما زلت شابا، والشباب تجذبها التجربة مهما كلف صاحبها الأمر.

فعلتها رغم تحذير الجميع، بعدها ندمت على فعلتي ، فقد أمضيت ليلة كاملة لا أتوقف عن السعال .
أعيش الحياة بربع أنف، فقد اقتربت حاسة الشم علي التلاشي، ربما لا تصدقوني !

أنا أيضا أعيش بنصف أذن، فكل تلك الحواس ترتبط ببعضها البعض في ترابط عجيب، فكلما حدث التهاب بأنفي يصل لبقية حواسي الاخرى ، يبدو أنها المهاجم القادم، فقد رقت طبلتها، وأصبحت شبه مغلقة طوال الوقت .
اقترب اللعين أمشير، يأتي بزعابيبه، ورياحه العاتية، فتزيد الأعراض وينسيني الألم طعم الراحة .

آه ، كم تمنيت النوم بدون صوت المدفع الذي يخرج في تزامن من أنفي وفمي خلال ” الشخير” كما تقول أمي بنصف ضحكة ونصف وجع .

رغبت الزواج ، لكني لست بكاذب، كنت دائما ما أصارح العروس بحالتي الصحية، قالت إحداهن :الجميلات لم يخلقن للشقاء ،خلقن للدلال ، هذه ليست بزيجة إنها عيادة طبية!

قالت أخري : “نومي خفيف وأنت مزعج للغاية”.
قابلت الرفض بصدر رحب ،إنها الحياة لا تخلو من المنغصات، وقليل من الآلام لن تفسد الواقع؟!
لابد أن أتقبل قدري بها.

مر العمر علي غفلة مني ،احتفلت بمولدي الأربعين منذ أيام، رأيت بعض الشعيرات البيضاء تصارع للاستيلاء علي شعر رأسي، فلتأخذه كله فلم أعد أبالي .
جلست أطالع الجريدة، وأنا أشرب فنجان القهوة التركي التي اعشقها بدون سكر، يسميها الجرسون ” علي الريحة” .
انتزعت أمي الفنجان قبل أن أنهيه، شهقت قائلة: ” ستتزوج قريبا يا سمسم ” .
لم اعقب على كلامها ، لكنني أومأت برأسي، وهي غادرت الحجرة وتركتني مع محنتي الصغيرة. .
استيقظت فزعا علي يد أمي وهي تزغدني ، تقول : حريق!!
هرولت في كل ركن من أركان المنزل ، صرخت بوجهها : أين؟ أخبرني قبل ان اجن.
أردفت : بأعلي العمارة ، عند جارتنا الجديدة .
صعدنا سويا، وأنا حافي القدمين. كانت المنظر رهيبا؛ النيران تقارب سقف المطبخ، وتغزو كل شبر به ، أحضرت عدة بطاطين، وبدأت كتم النيران ، لحقني عدد من الجيران ، فعلوا مثلما فعلت.
نجحنا بعد ساعة في إخمادها ، شكرت جميع المساعدين، سيدة لا أعرفها يبدو أنها صاحبة المنزل ، انصرف الجميع إلا نحن ، جلست أمي تتحدث إليهم، وأنا أتابع ما تقول.
قصت لها الحاجة “كريمة” جارتنا ما حدث لابنتها سومة ” أم كلثوم” التي تجلس منكمشة في ركن بعدما تسببت في المأساة.
ـ

سومة لم تشم رائحة الدخان، الحادث البشع هو السبب، نجت بأعجوبة.”ربع أنف ونصف أذن”.. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

أوضحت أكثر : بعض المشاكل التنفسية الدائمة لازمتها ،وحالتها النفسية السيئة زادت ؛ فقد تم فسخ خطبتها بعد الواقعة ؛ لأن العريس “الشملول” قال في حادث مشابه لليوم : إنها ستترك الطعام يحترق وربما تحرق كل من بالمنزل معه؟
استرسلت أمها في الحكي لساعة عن مميزات سومة، ومهاراتها المتعددة ، وأمي صامتة .
ضيقت عيناها وابتسمت بضحكة غانمة، وهي تنظر نحوي كأنها تسألني عن كارثتي المخفية تحت سقف الحياة؟! .

اقرأ ايضا:

”عفريتة قطار منتصف الليل”.. رواية جديدة لسالي عادل عن روايات مصرية للجيب

Exit mobile version