الناقد أحمد فرحات يكتب: رواية اليوميات
رواية اليوميات عند الغربيين: “سلسلة أحداث مؤرخة”.
وفي أدبنا العربي (يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم، و(يوميات/مذكرات) لأبي القاسم الشابي.ويوميات امرأة حالمة لنجوى عمامي، ويوميات علي أحمد باكثير..ومن اليوميات التي حظيت بشهرة عالمية واسعة يوميات فرانتس كافكا ، ويوميات رمبرانت.
وليس ضروريا أن تلتزم اليوميات بالسرد النثري الحقيقي، بل يمكن أن تكون خيالا من لدن المؤلف كأن تكون شعرا، أو خواطر، أو تعليقات، أو رسائل، أو تقارير العمل، مدعومة بالصور والرسومات. أي أن اليوميات أوسع من الكتابة وتتجاوزها.
ويظل من المسلم به أن تحديد التأريخ في اليوميات هو شرطها الرئيس الذي يجعل منها جنسا أدبيا مميزا بين أشكال كتابة الذات. فالتأريخ يقوم في اليوميات بدور مهم؛ فهو يوثق الأحداث التي يميزها عن المذكرات والسيرة الذاتية، ورواية السيرذاتية.
فهي وثائق تسجل أفكار مؤلفها وانفعالاته في الوقت المحدد في أعلى اليومية. وهناك من يكتفي بكتابة اليوم، والشهر والسنة، ومنهم من يحدد كذلك الساعة، ويذكر كذلك المكان أو المنطقة أو المدينة يدون فيها يومياته.وينص المؤلف في متن الرواية على ذكر اليوم الأول، اليوم الثاني، الثالث، الرابع.. حتى السابع..
إن كتابة اليوميات بصيغة التقارير اليومية والأحداث الواقعية قد يرصد فيها الروائي إيقاعات الحياة في جميع تفاصيلها بدءا من أحداث تاريخية قديمة تعود إلى زمن بعيد حول مدينة من المدن أو شخصية تاريخية معروفة تضفي على الأحداث المعاصرة مزيدا من الضوء مرورا بالمهمل وغير الضروري، عاكسا هيمنة التاريخ والسيرة الذاتية وشعبويتهما، والغاية المنشودة من استدعاء التاريخ ربط الحاضر بالمستقبل، وفهم الحركة الإنسانية للشعوب في حاضرها ومستقبلها.
وعلى الرغم من ذلك، فان هناك روائيين اتخذوا من اليوميات بالصيغة التقريرية وسيلة تساعدهم في الكتابة عن أحداث ووقائع عاشوها، ورصدوا دقائقها بكل ما رافقها من حكايات وقصص عاطفية، اعتمادا على الخلفية التاريخية التي بها تجنبوا الوقوع في مطب الجفاف والتقشف والإعادة والتكرار، فغدا سردهم لليوميات غير تقليدي؛ بل تكتنفه متغيرات تضفي على الأحداث جاذبية وتحقق لأداء الشخصيات درامية، وبما يجعل استجابة القراء فاعلية وإيجابية.
تعد رواية “الأقدام السوداء” للروائي محمد فايز حجازي رواية واقعية استلهمت التاريخ واليوميات والتقارير في إطار سيرة ذاتية غير معلنة.
وقد طرأ على الرواية بعض المتغيرات التي شكلت إطارها الفني فمن هذه المتغيرت التي طرأت على الرواية خيوط الحب التي جمعت بين الجزائرية داليا بن بركة المعيدة بجامعة بسكرة والمصري حسن المهندس الذي سافر للجزائر للعمل في بئر بترول التابع لشركة غربية عالمية تتحكم في النفط على مستوى العالم.
ومنذ نشوء هذه العلاقة بينهما بدأ المتلقي ينجذب إلى العمل بشغف.
ومنها أيضا لغة الكاتب التي تجمع بين الشعر والسرد في مواقف تتبادل العاطفة بينهما، ولغة التقارير الرسمية الطويلة، بمصطلحات هندسية عملية بحتة. مردوفة بصور توضيحية علمية خالصة، ومنها أيضا ثنيائة اللغة العربية تارة والأجنبية تارة أخرى، وأحيانا اللهجة المصرية والجزائرية للدرجة التي فصل فيها القول في صورة صفحات كاملة للتعريف باللهجة الجزائرية حتى بدت الرواية استعراضا لغويا متنوعا بين العربية والإنجليزية والإيطالية، وأحيانا اللغة (العرنسية) كلمة عربية مع كلمة فرنسية معا. وأحيانا يأتي بالمصطلح ثم يترجمه.
واستنادا إلى ما سبق فإننا يمكن أن نقرأ رواية يوميات نائب في الأرياف ورواية الأقدام السوداء وغيرها قراءة تنتمي إلى جنس أدبي جديد يضاف إلى الأجناس الأخرى..