“بعد عدة صفحات فارغة” كانت هناك بعض الملاحظات المدونة بصفحة 20:” هذه هي الجملة الافتتاحية لابتهال الشايب ، في قصصها مألوف ، صادرة عن دار النسيم ، هذه الجملة ربما تدل أو دليل علي أن قصص مألوف ، ربما مكتوبة في دفتر يوميات أو مذكرات ، هذا الدفتر هل الدفتر لكائن بشري؟! احتمال هل دفتر اليوميات كتبته ماكينة أو آله خياطه ؟! احتمال ربما حدث تداخل بين الإنسان و الآلات فنتج كائن جديد ، ميلاد مخلوق جديد ،هو من ألف هذه القصص ووضعها في الكتاب .
لماذا يجدد الأديب ؟
لأن درجة رفضه للواقع هائلة وكبيرة ، يري الناس أن العالم مرتب ومنظم وجميل، بينما يري الأديب المجدد ، أن العالم غير مفهوم ، كما تكسرابتهال الشايب الشكل المعتاد للواقع في القصص، لأن هذا يعتبر وهذا رأي الخاص أو تفسيري الخاص لما تكتبه ، أنه كسرللواقع الحقيقي، و رغبة في التمرد علي هذا الواقع، إن التجديد ليس للموضه، بل هناك أسباب كثيرة، مثل رفض الكاتبة لقيم معينة، قيم سلبية قد انتشرت، هذه القيم أضرت بالإنسان، وبكيانه الروحي، ربما تحاول الكاتبة كسر القيم المادية التي انتشرت وأحدثت أزمة حقيقية في الحياة .
الإحساس بالغربة والوحدة
التجديد في الكتابة والدهشة عند ابتهال الشايب
الشك في قيمة الكلام ومعناه:
هناك إحساس بالغربة والوحدة، تطرحة القصص في بدايتها ، وحدة الإنسان ومرارة هذه الغربة ، لانعرف من المتحدث صاحب الجملة “لاأحد يحاورني أو يلتفت إلي ألقي التحيات في الصباح و المساء وتهاني الأعياد ، وحفلات الزفاف “لاأحد يرد” هذا يمهد لظهور إبر الخياطة ،وتحول الإنسان لحجرة من الجلد بها المستقبل والماضي وحائط الحاضر.
الكلام انقطع بين الناس ، الشك في معني الأشياء ،والشك في قيمة الكلام ، ونسفه وتدميره ، الكلام لم يعد مفيدا أو له معني، فقدان الكلمات معناها ،هذا يدل علي ضياع قيم كثيرة قيمة الإنسانية ، والاختناق من العالم .
يضيع فهمنا للكلام فمنطقى أن يصبح كلام الإنسان بلا قيمة من القصص ” قرأت في إحدي الصحف التي اشتريتها كي اضع عليها الطعام ،أن عددا من الأشخاص باتوا لايعرفون مايقولونه ، أو يفكرون فيه أو يتبرزونه ،يجهلون ماهية العرق البلغم المخاط الدم الدموع والبول “.
تحطمت المودة والكلمات والتفاهم الجار يخاف من جاره ، ” قال لي جاري وهو واقف خلف باب شقته ورأسه بارزة إلي الأمام في احتراس و كأنه مختبئ خلف درع ” خلف درع توحي بالحرب والصراع ، والكراهية و الحروب القديمة والقتل ، والعزلة بين الأعداء، رغم أن المشهد جار يقول لجاره رائحة شقتك كريهة
الدهشة في القصص :
سبب وجود الدهشة في القصص ، عند ابتهال الشايب ، ليست سيريالية اللغة ، أي اللغة التي تحدث دهشة عنيفة ، مثل مايكتبه شاعر كبير مثل عفيفي مطر ، بل نظرة ابتهال الشايب للعالم نظرة سيريالية ، فهى نزعت وأخذت العلاقات القديمة بين الأشياء والإنسان ، واستبدلتها بعلاقات جديدة غير منطقية ، علاقات يرفضها العقل وتحدث له صدمة عنيفة ، هذه الصدمة العنيفة هي سبب الدهشة القوية ، الموجودة في القصص :مثال علي ذلك أحد النصوص ، في قاعة الاجتماعات ، يقف واحد ، وهو نكره ، ويدق مشانق في سقف قاعة الاجتماعات ،
ويدعو الزملاء للمشنقة ، في البداية يرفضون ، ثم يبدأ كل واحد منهم ، في شنق نفسه ، كأنه يأكل الأيس كريم ، يفعل ذلك وكأنه شئ جميل وعادي ، ويتكرر شنق أكثر من شخص لنفسه ، السبب القديم المعتاد ، لتواجد زملاء بشركة ما ، التخطيط أو اتخاذ قرارات ، أو توزيع العمل علي العاملين أو حل مشكلة ، تؤدى لخسارة الشركة ، هذه أسباب قديمة معتادة ، لكن تغيير ،سبب اجتماعاتهم ، أو تغير العلاقة بينهم ، يذهبون لقاعة الاجتماعات ،ثم تعجبهم فكرة المشنقة .
اختفاء الإنسان وتنكيره:
تنكير البشر ، عدم ذكر أسماء لهم علي امتداد النصوص القصصية ، وهنا يختفي الإنسان ، أحد أبطال هذا المقطع القصصي يختفي ، اختفاء حقيقي ، وهذا الاختفاء له دور فني ودور محورى ، لأن اختفاء الإنسان مهد لظهور الآلات ،و الأشياء التي تتكلم عن العالم مثل مقعد و جدار وأرضية لمكان معين، عبر المقاطع القصصية ” علمت من صديق لي أن أحد أقربائه ذات يوم هب من مكانه فجأة و كأن شيئا وخزه ثم أخذ يصيح بصوت عال ويستنجد وهو يرتجف ”
” بدأ يختفي تدريجيا وهو يحاول أن” اختفاء هذا الشخص وأصابع بشرية علي هيئة أسياخ تحاول أن تنغرز في جسده مهد هذا لظهور إنسان له ذيل في مقاطع قصصية ، يعيش بهذا الذيل ، عبر مواقف صغيرة من الحياة
سيريالية المعني :
المعني غير محدد بدقة ، ابتهال الشايب لم تجعل المعني من وراء القصص واضحا كشمس الظهيرة،
بل جعلته مفتوحا متنوعا ، فمثلا معني اختفاء الرجل، ووجود الأيادي البشرية علي هيئة أسياخ، تخرج من بالوعات البيوت ،ربما تحتمل معني بشر يؤذون غيرهم وأشرار، ربما تحتمل معني آخر ، بشر مسحوقون تماما ،فلم يعد لهم مكان سوي بالوعات صغيرة، نجد غرابة العالم الذي تحدث فيه، هذه المقاطع القصصية ،تؤدي لسيريالية المعني ، سباك يذهب ليصلح حوض يجد أصابع بشرية، في البالوعات هذا أمر معتاد للناس ،أصابع مقطوعة ،لايخاف السباك ولا صاحب الشقة ، بل السباك يقطع الأصابع بالمنشار، لأنها صلبة ، وصاحب المنزل تعامل مع منظر الأصابع ، في البالوعات كأمر يومي مثل شراء الطماطم والفاكهة من السوق ، كأنه شئ جميل وعادي لا يسبب الاشمئزاز والخوف .
ربما عثرت علي مفتاح للفهم :
أقول ربما عثرت علي مفتاح للفهم ، لأن المعني سيريالي ، أي غير محدد ، جملة عثرت عليها ، في صفحة 14 ، احتمال أن تكون مفتاح للفهم ، “تنتحر نوايا صالحة علي الأرض دون قصد” افترض ولا أثق ولا أؤكد ، أن هذه الجملة ، ربما تكون مفتاحا لتفسير، القصص ، النوايا الصالحة تنتحر علي الأرض ، جملة من ست كلمات ، تنتحر النوايا الصالحة تقتل نفسها ن دون قصد ، كلمة “علي الأرض” إطلاق وتعميم المعني ، بكلمة علي الأرض ، الانتحار هنا مع استخدام المضارع الذي يفيد الاستمراروالتجدد ، وتكرارالأمر انتحارالنوايا الصالحة علي الأرض ، دون قصد
فتأتي بعد ذلك ، بعد الانتحار ، نهاية 1 ، نهاية 2 ، نهاية 3، نهاية 4 ، نهاية 5 ، نهاية 6 ، نهايىة 7 ، نهاية 8 ، نهاية 9 ،نهاية 10 نهاية 11 ، إحدي عشرة نهاية ،عنونت بها ابتهال الشايب ، المقاطع داخلية للجزء الثاني عفوية ، فجعلت انتحارالنوايا الصالحة بعدها من صفحة 15 إلي صفحة 25 ، كأن النهايات الكثيرة داخل عنوان عفوية ، نهاية أو موت النوايا الصالحة ، كأن الموت حدث وتكرر إحدي عشرة مرة ل نوايا صالحة ، أو ربما الانتحار هو الذي حدث وتكررهذا العدد من المرات .
هذه محاولة تأويل أو افتراض تأويل كلها نهايات ل نوايا صالحة
دلالة الفراشة :
ربما تكون دلالة الفراشة ، احتمال أن تكون الفراشة في الجزء المعنون ب عفوية ، الفراشة تكمل ماينقص الإنسان وربما تمثل الرقة صفة الرقةالتى ضاعت من قلوب البشر ، كلها احتمالات ، للفراشة معاني كثيرة متعددة أقربها الرقة ، وربما تمثل الاطمئنان ، كأن كتابة الفراشة علي حائط المستقبل ، كأنها دواء أو علاج نفسي ، أو راحة بال ، وهي معاني كثيرة .
لأن الإنسان يتحول إلي شئ مادي حجرة لها جدران ، الفراشة تعوض هذا الفقد هذا النقص الإنساني
” فجأة تنمو أربعة حوائط جلدية من حولي أعيش في غرفة من الجلد “.
“الأخرون يملكون غرفا مثلي ينامون في جوفها ” ” يستيقظون وهي من حولهم يسيرون بها في الطرقات يحيون داخلها ” “حائط المستقبل ” الفراشة وتحول الناس لحجرات ، يمكن تفسيره وفهمه بطرق أخري كثيرة ، فباب التأويل ممكن ومفتوح
“السرد لايسيربخط مستقيم بل هو أشبه بإرتماء الأمواج علي ا لشاطئ ” : استعير هنا كلمات دخالد عبد الغني
“السرد هنا لا يسيربخط مستقيم بل هو أشبه ، بإرتماء الأمواج علي الشاطئ وانسحابها عنه ، ويثمر هذا التكنيك نصا متوهجا محموما ، ولكنه مكتوب بدقة ورهافة “.
لايوجد ترتيب منطقي متماسك أمواج بحر ، الحدوته أو الحكاية غير موجودة ،فكل مقطع صغير له عنوان صغير ، علي اليسار أو علي اليمين، مثل موجة بحرتدخل الشاطئ ، بقوة بها تفاصيل ، الشط هو الكتاب المقطع السردي هو موجة البحرالسرد قطع صغيرة مثل أمواج بحر ، أمواج السرد تدخل الشاطئ وتنسحب ، وتكمل بعضها البعض.
أمثلة ” يحملها في حيوية ويسير مطمئنا أنها صارت بين يديه ، وأن أمواله لم تضع هباء ترافقه وهي تلامس الشحوم الملتصقة ” “ملابس صاحب الورشة ” مقطع قصصى أخر \موجة بحر” تاتي أرضية الورشةإلي المنزل ، تنزع بعض أحجارها تضعها علي ، أرضية حجرية عندما تبصر الماكينة ”
مقطع قصصي أخر/موجة بحر ” يضعها بجانبه وهو مهموم ، في بأس يضع السلك الخاص بها ليصله بالكهرباء ، ثم يضغط علي أزرارها ، تعمل اعتقادا منها أنها في الورشة مقعد “.
مقطع أخر /موجة بحر ” أصاب زر السرعة البطيئة عطل ما ،يحاول العامل الضغط عليه كثيرا ولا يفلح ،يأمر صاحب الورشة بتشغيلها عند الحاجة علي سرعات كبيرة فجأة تتوقف تماما عن العمل ، يزيل العامل السلك المتصل ”
نحن هنا أمام كسر فكرة الحدوتة لاتوجد حكاية ، واقعية مثل القصص العادية ، هناك موجات بحر صغيرة ،تكسر الحكاية القديمة .
الانفتاح علي المطلق والعام :
الموضوع مفتوح بشكل بشكل كبير ، لم ينحصر بمكان معين ، حارة أو مدينة أو شارع ، هذا علي مستوى المكان ، الزمان مفتوح أيضا ،لأن التجريد يؤدي إلي التعميم ، ابتهال الشايب تتعمد الانتقال بين الأشياء الواقعية ، الورشة الماكينات ، المقعد المساميرصاحب الورشة، بالإضافة إلي الإنسان الذي له ذيل مما يطرح الكثيرمن التساؤلات .
الخاتمة :
ابتهال الشايب تجدد في الكتابة بشكل مختلف تماما ، فهي لا تتشابه مع أحد من المجددين في القصة الذين قرأت لهم ، لاتتشابه مع زكريا تامر،وتختلف تماما عن كاتب فذ في القصة القصيرة ،وهو إبراهيم فهمي
الذي كتب قصة شعرية وصنع مدرسة خاصة به ، في كتابة القصة ، وتختلف ابتهال الشايب أيضا عن زياد خداش الفلسطيني ، هناك الكثير من المجددين في القصة ، الكاتب محمد أبو الدهب ومجموعته القصصية شهادة مخالفات ، ابتهال الشايب تختلف عن كل هؤلاء ، قدمت قصص مدهشة بأسلوب خاص.
عماد مجاهد
اقرأ ايضا: